١٢ ــ شخصية الحلّاج بعد مقتله
شرح ديوان الحسين ابن المنصور الحلاج د. كامل مصطفى الشيبي استاذ بجامعة بغداد
شخصية الحلّاج بعد قتله
وجاور الحلّاج ربه بارّا بوعده ، وتبعه حامد بن العباس بعد سنتين مصادرا وثلّت المقتدر بعد حامد بتسع سنين .
وذهبت المصالح واختفت الشرطة والأعوان ، وأنزل الزمان ستاره على العصر كلّه ، وأمسى كل شيء في ذمة اللّه ، وعادت الأسماء الرنانة والأموال الطائلة والجيوش المجيشة ، وكذا الفقراء والجياع وأصحاب الطموح والأطماع حروفا تخطها ريشة الزمان على صفحات التاريخ . وأتيح للناس أن يتعرفوا إلى الحلّاج ومأساته على مهل ويبحثوا شؤونه بمعزل عن الرغبة والرهبة والحسد والغبطة والحبّ والكره .
وسرعان ما بدأت أخبار الحلّاج تجمع والكتب فيه تصنّف وآراء الناس فيه تسجل .
وبدل أن ينساق هؤلاء مع التيار الذي شقّ قناته أعداؤه من رسميين ومنافقين ومصلحيين ، وجّه هذا النبع إلى مجرى آخر يصفو في الماء ، وتتحلّل منه الشوائب فعاد ماء عذبا زلالا لذّة للشاربين .
وهكذا تحوّل كل ما يتصل بالحلّاج من خذلان ومؤاخذة ومساءة إلى عطف ونصرة وتبرير ، وترطبت حلوق الصوفية بعد أن جفّفها الرعب وارتفعت أصواتهم تهدر بعبارات قوية واضحة تزيل الغبار عن سجل الحلّاج المطموس وتغسل الدم عن وجهه المرفوع فوق الرمح في شوارع خراسان ، وتعيد إليه اعتباره وترفعه إلى مكانه اللائق به في رأيهم تحت شمس التاريخ .
وهكذا سمعنا أبا بكر الشبلي الذي قيل : إنه أعرض عن الحلّاج في أخريات أيامه لقوله : « أنا الحق » « 1 » ، يهتف بين جمع من الناس دون خوف أو
..........................
( 1 ) رسالة ابن القارح - مع رسالة الغفران لأبي العلاء المعري ، ط 3 ، ص 36 ، بدلالة
« 80 »
تردد : « كنت أنا والحلّاج شيئا واحدا إلا أنه أظهر وكتمت » « 1 » .
ووجدنا محمد بن خفيف ، الذي لعن الحلّاج من قبل ، يصفه بقوله : « الحلّاج عالم ربّاني » « 2 » . وغدا الفقهاء الذين حكموا بالإعدام يقولون بلسان أبي العباس بن سريج ، الفقيه الشافعي ( ت 306 هـ / 918 - 19 م ) - إذ سئل عنه - « هذا رجل خفي عنّي حاله وما أقول فيه شيئا » « 3 » .
وحوّل المعجبون بالحلّاج من صوفية ومن سواهم ، ساعات عذابه إلى لحظات من السعادة الروحية والتوفيق الإلهي ، ومن هنا قرن صبره بصبر أيوب ( ع ) « 4 » وألحق بالمعذبين من السابقين الأوّلين من المسلمين بروايتهم عنه أنه تحمل لسع السوط صابرا محتسبا سعيدا وأنه كان يقول مع كل جلدة « أحد ، أحد » « 5 » .
وشبّه الحلّاج في الشجاعة ببابك الخرّمي ، الثائر الفارسي المجوسي ( ق 223 هـ / 838 م ) الذي كاد يدكّ عرش المعتصم ، إذ روي أن الأوّل « لمّا لطّخ وجهه بالدم حين قطعت أطرافه » « 6 » . سوّغ ذلك بأنه إنّما « كان لئلا يظهر إلى عين العامة تغيّر مزاجه غيرة منه على الحق لمعرفته بهذا كله » « 7 » .
وبابك هو السابق إلى ذلك ، إذ لمّا قطعت يده لطّخ وجهه بدمه
......................
الفرق بين الفرق للبغدادي ( أبي منصور عبد القاهر بن طاهر ، ت 429 هـ / 1038 م ) ، مصر 1367 ه / 1947 م ، ص 157 - 8 . ومما يذكر هنا أن نص الرسالة المذكورة ناقص في هذا الموضع وقد بينا وجه ذلك وأشرنا إلى أشياء كثيرة من هذا القبيل في بحثنا « رسالة الغفران » في طبعتها الرابعة الذي نشر ناقصا في مجلة « المجلة » القاهرية ، من أعداد سنة 1968 م ، وكاملا في العددين التاسع والعاشر من السنة الثانية من مجلة البلاغ البغدادية .
( 1 ) انظر كتابنا « الصلة بين التصوف والتشيع » ط 2 ، ص 49 .
( 2 ) تاريخ بغداد 8 / 112 ، وذكر الخطيب البغدادي هنا أن أبا العباس ( أحمد ) بن عطاء ( الأدمي ) البغدادي ومحمد بن خفيف الشيرازي وإبراهيم بن محمد النصر آباذي ، صححوا حاله ودوّنوا كلامه .
( 3 ) وفيات الأعيان لابن خلكان ، مصر 1948 م ، 6 / 409 .
( 4 ) الفتوحات المكية لابن العربي الحاتمي الطائي ( محمد بن علي الحاتمي ، ت 638 هـ / 1241 م ) ، مصر 1293 م ، 4 / 182 .
( 5 ) تاريخ بغداد 8 / 131 .
( 6 ) الفتوحات المكية 4 / 182 .
( 7 ) الفتوحات المكية 4 / 182 .
« 81 »
وضحك يري الناس « أنه لم يؤلمه القطع وأن روحه ليس تحسّ بشيء من ذلك » « 1 » . وفوق هذا كله إنّما كان أنصار الحلّاج في خراسان يرفعون من قدره بوصفه زعيما سياسيا عظيما ، فخاطبوه بعبارة « رب لأرباب » « 2 » إجلالا له . كما كانت رعية الأفشين ( خيذر بن كاوس الصّغدي ، القائد التركي المشهور الذي صلبه المعتصم مع بابك الخرّمي ) ، يكاتبونه وأباه وجدّه من قبله « 3 » . من قولهم ، في ديباجة رسائلهم إليهم : « إلى إله الآلهة من عبيده . . . » « 4 » .
وأوفى الحلّاج على الغاية لمّا قورن بالحسين بن علي بن أبي طالب أبي الشهداء في تضحيته وفدائه وبطولته « 5 » ومكانته ، لما ذكر أن صوفيّنا « لمّا وقع دمه على الأرض كتب : « اللّه اللّه » ، إشارة لتوحيده وإنما لم يكتب دم الحسين ذلك لأنه لا يحتاج إلى تبرئة » « 6 » .
حتى إلقاء رماد جثة الحلّاج في دجلة اقترن بأسطورة أريد بها الرفع من شأنه وتبديد الوقع السيّىء الذي يرسب منه في النفوس .
ولهذا ذكر المعجبون بالحلّاج أنه « لمّا ألقي رماده في دجلة ، ظهر على وجه الماء بدله عبارة : « أنا الحق » « 7 » .
وانتهى الأمر أخيرا بأن عدّ الحلّاج ثالث ثلاثة أحبّهم قوم فكفروا بحبّهم وأبغضهم قوم فكفروا ببغضهم ، والاثنان الآخران : عيسى بن مريم وعلي بن أبي طالب
......................
( 1 ) البدء والتاريخ للمقدسي 6 / 117 .
( 2 ) انظر مثلا التبصير في الدين للأسفرايني ( أبي المظفر شاهفور بن طاهر الشافعي ، ت 471 هـ / 1080 م ) ، مصر 1359 هـ / 1940 م ، ص 78 .
( 3 ) شرح لامية العجم للصفدي ( أبي الضياء خليل بن أيبك بن عبد اللّه ، 696 - 764 هـ / 1296 - 1362 م ) ، مصر 1305 هـ / 1887 - 8 م ، 1 / 190 .
( 4 ) شرح لامية العجم للصفدي ( أبي الضياء خليل بن أيبك بن عبد اللّه ، 696 - 764 هـ / 1296 - 1362 م ) ، مصر 1305 هـ / 1887 - 8 م ، 1 / 190 .
( 5 ) انظر : تراجم القرنين ( السادس والسابع الهجريين ) لأبي شامة ( أبي محمد عبد الرحمن بن إسماعيل ، 599 - 665 هـ / 1202 - 1267 م ) ، مصر 1366 هـ / 1947 م ، ص 18 - 19 .
( 6 ) الكواكب الدرية لعبد الرؤوف المناوي 2 / 25 . وقد بولغ في ذلك بمصر سنة 596 هـ / 1199 - 600 م . حتى فضل الحلّاج على الحسين السبط ، فما كان من شهاب الدين محمد الطوسي الذي توفي في هذه السنة ، إلا أن قال : « كيف يجوز هذا ؟ قطرة من دم الحسين أفضل من مائة ألف دم مثل دم الحلّاج . فلما قال السائل : قدم الحلّاج كتب على الأرض : اللّه ، ولا كذلك دم الحسين ، فقال الطوسي : المتهم يحتاج إلى تزكية » ( تراجم القرنين ، ص 18 - 19 ) .
( 7 ) تاريخ كزيدة لحمد اللّه المستوفي القزويني ، ص 776 .
« 82 »
علي بن أبي طالب « 1 » .
وهكذا يعدّ الزعم بأن الحلّاج لم يقتل أمرا مألوفا في مثل هذه الظروف العاطفية ، ومن هنا ذكر أن القتل وقع على « دابة » « 2 » مرة و « بغلة » « 3 » مرة أخرى ، وتواضع قوم فذكروا أنه وقع على رجل ألقي عليه شبهه « 4 » .
وبعد هذا جرؤ قوم على الزعم بأنهم سمعوا الحلّاج يقول لأصحابه : « لا يهوّلنّكم هذا فإنّي عائد إليكم بعد ثلاثين يوما » « 5 » . وتمشّيا مع هذه القصة ذكر ابن الأثير أن « بعضهم » قال : « لقيته على حمار بطريق النهروان ( ماضيا من العراق إلى إيران قاصدا خراسان طبعا ! ) وأنه قال لهم : « لا تكونوا مثل هذا البقر ( الصحيح : النفر ) الذين يظنون أنني ضربت وقتلت » « 6 » .
ومن الطبيعي أن تتداعى هذه الصور إلى الرجعة والمهدية ؛ وهذا شيخ المعرّة ( ت 449 هـ / 1057 م ) يخبرنا أن « الصوفية ، اليوم ، من يرفع شأنه ويجعل مع النجم مكانه . وبلغني أن ببغداد قوما ينتظرون خروجه وأنهم يقفون بحيث صلب على دجلة ، يتوقعون ظهوره . . . » « 7 » . وهكذا ارتفعت اللعنة والسخرية والنقمة وحلّت الرحمة والإعجاب والحب والتقدير .
ذلك أن من يبذل دمه ثمنا لما يدين به لن يعقد صفقة خاسرة ، فالقتل جدّ ليس بعده جدّ ، وهو عند الناس برهان ساطع على الصدق والإخلاص ومجلبة للعطف والاحترام والاهتمام .
ولولا تضحية المسيح ما انتشرت المسيحية هذا الانتشار ، ولولا قتل ميرزا محمد الباب ما قامت للبهائية قائمة في العصر الحديث ، عصر العلم والعقل والبرهان .
.......................
( 1 ) الحلّاج شهيد التصوف الإسلامي ، لطه عبد الباقي سرور ، مصر 1961 م ، ص 254 عن اليافعي .
( 2 ) الكامل لابن الأثير 8 / 39 .
( 3 ) رسالة الغفران ، ط 4 ، ص 453 .
( 4 ) الفرق بين الفرق للبغدادي ، ص 159 ، وفي تجارب الأمم أن أصحاب الحلّاج ادعوا أن المضروب « كان عدوا للحلّاج ألقي شبهه عليه » ( 5 / 79 ) .
( 5 ) تاريخ بغداد 6 / 164 . وهذا يذكر بصعود موسى الجبل لميقات ربه ( البقرة 2 : 51 ) .
( 6 ) الكامل لابن الأثير 8 / 39 .
( 7 ) رسالة الغفران ، ط 4 ، ص 454 .
« 83 »
وأطرف ما نختم به هذه المعاني ما حكي من أن « الحلّاج كانت له أخت تخرج من البيت كل ليلة . فتعقبها يوما فرأى حورية من حوريات الجنة تسقيها كأسا من شرابها ، ولما طلب الحلّاج جرعة لنفسه ، حذرته أخته من قصوره عن تحمل أثرها وخوّفته من الهلاك بسببها .
لكن الحلّاج أصرّ ، فسقي بضع قطرات من تلك الكأس ، فكان قوله : « أنا الحق ، من عقابيل هذه الجرعة » « 1 » .
وتستمر هذه الأسطورة في مصاحبة الحلّاج في تفصيلات محاكمته وقتله لتروي أنه « لمّا رفع الحلّاج إلى المشنقة ، افتقده الناس فلم يجدوه ثم ظهر متربعا في الهواء ! وكلما سعى أمراء الغضب في القبض عليه اقترن سعيهم بالإخفاق . وفي أثناء هذه الاضطرابات فارقت روح الحلّاج بدنه وارتفعت إلى الجنة حيث لقيت النبي ( صلى عليه وسلم ) .
وبعد أن تلقت التهنئة على درجة الوصال ( التي نالتها ) . . . طلب إليها النبي ( صلى عليه وسلم ) أن ترضى بالقتل حفظا لظاهر الشريعة . وسمعت روح الحلّاج لقول النبي ( صلى عليه وسلم ) فعادت إلى الأرض وبذلت بدنها ليقتل قتلا ظاهريا » « 2 » .
وصورت هذه الحكاية بألوان أزهى لمّا ذكر العطار الأردستاني أن الحلّاج حين حبس حبسا انفراديا ، وذلك بعد رفضه الرجوع عن آرائه شرطا لإطلاق سراحه ، زاره الصوفية ثلاث ليال سويا ، ففي الأولى افتقدوه فلم يجدوه ، وفي الثانية وجدوه ولم يروا السجن ، وفي الثالثة غاب هو والسجن عن عيانهم ! ولما سئل عن ذلك قال : كنت في الليلة الأولى في الحضرة ( الإلهية ) ، وفي الليلة الثانية كان الحق ( تعالى ) هنا ! ومن هنا غاب السجن عن العيان .
واليوم أعادني الحق إلى سجني حفظا ( لظاهر ) الشريعة فتعالوا وافعلوا ما أمرتم « 3 » .
ولما حانت ساعة التنفيذ كان الحلّاج كلما ضربوه عصا سمعوا صوتا فصيحا يقول له : ولدي منصور ، لا تخف » « 4 » .
..............................
( 1 ) تاريخ إيران للسير جون مالكولم وترجمة ميرزا حيرت ( إلى الفارسية ) ، ص 204 .
( 2 ) أيضا ، ص 205 .
( 3 ) محفل الأوصياء للأردستاني ( علي أكبر حسين ، والنسخة مكتوبة سنة 1043 هـ / 1633 - 4 م ، خزانة دائرة الهند بلندن ، المخطوط إيته 645 ، ورقة 265 ب ، تذكرة الأولياء للعطار ، طهران 1321 هـ / 1942 م ، 2 / 113 ، وانظر عطار نامه للدكتور أحمد -
( 4 ) محفل الأوصياء للأردستاني ( علي أكبر حسين ، والنسخة مكتوبة سنة 1043 هـ / 1633 - 4 م ، خزانة دائرة الهند بلندن ، المخطوط إيته 645 ، ورقة 265 ب ، تذكرة الأولياء للعطار ، طهران 1321 هـ / 1942 م ، 2 / 113 ، وانظر عطار نامه للدكتور أحمد -
« 84 »
المعتذرون عن الحلّاج المسوّغون لأقواله :
وبقطع النظر عن إحاطة الحلّاج بهذه الهالة من الأساطير تصدّى لتسويغ المآخذ عليه والاعتذار عنه والرفع من شأنه والائتمام به جماعة من عظماء التاريخ الإسلامي في طول العالم الإسلامي وعرضه من : صوفية ومتكلمين وفلاسفة ومفكرين وغيرهم ؛ فبالإضافة إلى محمد بن خفيف ، تطوع أبو سعيد بن أبي الخير ، شاعر الرباعيات الفارسي ( ت 440 هـ / 1048 - 49 م ) يقول : « في اليوم الذي قال ( الحلّاج فيه ) : أنا الحق ، أين كان ؟ لقد كان ( هو ) اللّه اللّه » « 1 » .
وقد ذكر في تضاعيف حركة الحلّاج أن محمد بن داود الظاهري الأصفهاني ، صاحب كتاب الزهرة ( ت 297 هـ / 909 - 10 م ) ، كان من ألدّ أعدائه الأوائل وكان يقول في التعبير عن موقفه منه : « إن كان ما أنزل اللّه على نبيّه حقا فما يقول الحلّاج باطل » « 2 » ، وهي عبارة ما لبثت أن وجدت نقضا عليها على لسان أبي القاسم إبراهيم بن محمد النصر آبادي الصوفي ( ت 367 هـ / 977 - 8 م ) في قوله : « إن كان بعد النبيين الصدّيقين موحّد فهو الحلّاج » « 3 »
وكان موقف الأشاعرة الأول معاديا للحلّاج فوقع فيه وردّ عليه منهم الباقلاني ( محمد بن الطيب ، ت 403 هـ / 1013 م ) ، والبغدادي صاحب « الفرق بين الفرق»، وتلميذه الأسفرايني، صاحب « التبصير في الدين » ( وقد أكثرنا من النقل منهما ).
وجاء في كتاب البغدادي الآخر « أصول الدين » قوله : « وقد اشتمل كتاب تاريخ الصوفية [ الضائع ] لأبي عبد الرحمن السلمي على زهاء ألف شيخ من شيوخ الصوفيد ما فيهم واحد من أهل الأهواء ، بل كلّهم من أهل السنّة سوى ثلاثة منهم : أحدهم أبو حلمان الدمشقي ، فإنه تستّر
................................
ناجي القيسي ، بغداد 1388 هـ / 1968 م ، ص 461 ( باب في مناقب . . . الحلّاج للعطار ) ، والنص هنا ترجمة حرفية لما ورد في التذكرة ، والنص الذي أثبتناه من ترجمتنا .
( 1 ) مجموعة نصوص غير منشورة تتعلق بتاريخ التصوف ، جمعه ونشره ماسينيون ، باريس 1929 م ، ص 88 .
( 2 ) شذرات الذهب لابن العماد 2 / 255 .
( 3 ) البداية والنهاية لابن كثير 11 / 132 .
« 85 »
بالصوفية وكان من الحلولية ، والثاني الحسين بن منصور الحلّاج وشأنه مشكل ، والثالث القنّاد : اتهمته الصوفية بالاعتزال فطردوه لأن الطيب لا يقبل الخبيث » « 1 » . ولما كتب القشيري ( أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن ، ( ت 465 هـ / 1074 م ) رسالته في الدفاع عن الصوفية ورفع تهمة الزندقة عنهم - وكان أشعريا - « ما ذكر الحلّاج للخلاف الذي وقع فيه حتّى لا تتطرق التهمة لمن وقع ذكره من الرجال في رسالته » « 2 » .
أما إمام الحرمين الجويني ( عبد الملك بن عبد اللّه بن يوسف ) ، ( ت 478 هـ / 1085 م ) ، أستاذ الغزالي ، محمد بن محمد الطوسي ، ( ت 505 هـ / 1111 م ) ، فقد تورّط في خصومة الحلّاج جهلا به حتى جمعه في مؤامرة على قلب نظام الحكم العباسي مع ابن المقفع الذي قتل قبله بنحو مائة وخمسين سنة - والجنابي ( أبي سعيد ، ت 301 هـ / 913 - 14 م ، أو أبي طاهر الذي نقل الحجر الأسود من مكة إلى هجر ( ت 318 هـ / 939 - 40 م ) .
وذلك في كتابه « الشامل في أصول الدين » « 3 » . الذي نشر ثلثه الباقي أستاذنا الدكتور علي سامي النشار بالتعاون مع تلميذيه فيصل بدير عون وسهير محمد المختار في الإسكندرية سنة 1969 م وليس فيه هذا الخبر « 4 » .
.................................
( 1 ) أصول الدين ، إسطنبول 1928 ، ص 315 - 16 .
( 2 ) أخبار الحلّاج ، الرسالة الرابعة ، هامش ص 22 ، وهذا هو كلام ابن العربي الحاتمي الطائي منقولا من الفتوحات المكية .
( 3 ) انظر : الإسلام والحضارة العربية لمحمد كرد علي ، الجزء الثاني ، طبع دار الكتب المصرية 1936 م ، ص 75 ، وراجع البداية والنهاية لابن كثير ( 11 / 143 - 44 ) وانظر ترجمة الحلّاج في وفيات الأعيان لابن خلكان .
( 4 ) الجزء المنشور من كتاب الشامل يتضمن ثلاثة أبواب أو كتب بتقسيم المصنف وهي :
كتاب النظر وكتاب التوحيد وكتاب العلل ، وبقي منه كتب ( فصول ) : الصفات والإرادة والقدر والنبوات وإبطال القول بالتولد والرد على الطبائعيين والتعديل والتجوير . ولعل خبر الحلّاج موجود ضمن كتاب التنبؤات كما فعل القاضي عبد الجبار في الجزء الخاص بالتنبؤات والمعجزات من كتابه « المغني في أبواب التوحيد » وقد جاء في المقدمة أن معهد المخطوطات العربية في القاهرة يحتفظ بملخص للشامل اسمه « الكامل في اختصار الشامل » ومختصر لهذا اسمه « مختصر الكامل » وتحتفظ به مكتبة جامعة الأزهر فلا بد أن الخبر المذكور وارد في الأول منهما ( انظر مقدمة الشامل ص 87 ) .
« 86 »
لكن هذا الموقف تغير تماما حين تشمّر الغزالي للدفاع عن الحلّاج في كتابه « مشكاة الأنوار » « 1 » حيث اعتذر عنه وحمل أقواله التي أوخذ عليها ، من نحو قوله : أنا الحق ، على محامل حسنة ، وبرر ذلك بأنه إنما كان « من فرط المحبة وشدة الوجد » فأثار بذلك اهتمام المصنفين « 2 » .
أما الحنابلة فقد راح الحلّاج عندهم لمعارضته الدولة مثلهم ولوقوف ابن عطاء إلى جانبه ، ثم يبدو أن الأمور قد تغيّرت في ما بعد بحيث وجدنا أحد الحنابلة وهو أبو الوفاء علي بن محمد بن عقيل العقيلي ( ت 513 هـ / 1119 - 20 م ) يتوب عن الاعتزال ويقرن ذلك بإعلانه أنه « رجع عن اعتقاده كون الحلّاج من أهل الحق والخير وأنه قد رجع عن الجزء الذي عمله في ذلك وأن الحلّاج قتل بإجماع علماء أهل عصره على زندقته وأنهم كانوا مصيبين في قتله وما رموه به » « 3 » ، وحدث هذا سنة 465 هـ / 1072 م « 4 » .
وعاد الموقف فانقلب من جديد في صالح الحلّاج وذلك حين تصدى الشيخ عبد القادر الجيلي ( بن موسى بن عبد اللّه الحنبلي ، ت 561 هـ / 1166 م ) لتصحيح أقوال الحلّاج والدفاع عنه دفاعا مجيدا وذلك في قوله : « عثر الحلّاج فلم يكن في زمنه من يأخذ بيده ، ولو كنت في زمنه لأخذت بيده » « 5 » .
ومن أقوال الجيلي في هذا المجال أيضا : « طار واحد من العارفين إلى أفق الدعوى بأجنحة : « أنا الحق » . رأى روض الأبدية خاليا عن الحسيس والأنيس . صفر بغير لغة تعريضا لخيفة ( لحتفه ) . ظهر عليه عقاب الملك من مكمن :إِنَّ اللَّهَ نعني( غَنِيٌّ ) عَنِ الْعالَمِينَ، ( آل عمران 3 / 97 ) . أنشب في إهابه مخلاب :كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ، ( أيضا 3 / 185 ) قال له : شرع سليمان الزمان ( كذا ) ثم تكلمت بغير لغتك ثم ترنمت بلحن غير معهود من
..................................
( 1 ) انظر مثلا : مرآة الجنان لليافعي ( أبي محمد عبد اللّه بن أسعد ، 698 - 768 هـ / 1298 - 1367 م ) ، ط حيدر آباد 1918 - 20 م ، 2 / 253 ، تاريخ ابن الوردي 1 / 257 ، روضات الجنات للخوانساري ( محمد باقر ت 1313 هـ / 1895 م ) ، طهران 1307 هـ / 1889 - 90 م ، ص 226 .
( 2 ) انظر : البداية والنهاية لابن كثير 12 / 105 .
( 3 ) انظر : البداية والنهاية لابن كثير 12 / 105 .
( 4 ) انظر : البداية والنهاية لابن كثير 12 / 105 .
( 5 ) مرآة الجنان لليافعي 2 / 254 .
« 87 »
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق