« 66 »
وفرعون مثلين صارخين لمّا رفض الأول السجود لآدم ورفض الثاني الاعتراف بنبوّة موسى كما مرّ . وقد أراد الحلّاج بذلك وبقوله : « على دين الصليب يكون موتي » أن يكون هو المثل ، الثالث الذي يضرب على التضحية والفداء وأن يتقدم على المسيح ( ع ) في ذلك لأنّ الحلّاج صبر على المحنة ولم يتأوه ، والمسيح ( ع ) قد جزع وهو على الخشبة فدعا اللّه في ألم وضيق صدر قائلا : « إيلي ، إيلي ، لمّا شبقتني ، أي : إلهي ، إلهي لماذا تركتني » « 1 » .
ومن هنا ذكر عن الحلّاج أنه « لما أتي ليصلب ورأى الخشب والمسامير ضحك كثيرا » . وذكر أنه قال : « إلهي أفنيت ناسوتيّتي في لاهوتيّتك « 2 » ، فبحقّ ناسوتيّتي على لاهوتيّتك أن ترحّم على ( كذا ) من سعى في قتلي » « 3 » .
وبعد قتل الحلّاج « أحلف الورّاقون ألا يبيعوا شيئا » « 4 » . من كتبه « ولا يشتروها » « 5 » .
خلف الحلّاج : وذهب الحلّاج وخلّف وراءه زوجة وآلهة ، وأولادا نعرف منهم ابنه سليمان الذي وعد أبوه ابنة السمري بتزويجها منه ، وأحمد ( أو حمد ) الذي روى أخباره ، وعبد الصمد الذي ذكر أنه كان السبب في تأسيس الطريقة الحلّاجية « 6 » ! وابنة جاء ذكرها في خبر الفتاة المذكور في صلة عريب على
.........................
( 1 ) إنجيل متى 27 : 26 ، مرقس 15 : 24 ، وانظر مقالا للدكتور فؤاد حسنين ، بعنوان :
« إلهي إلهي ، لماذا تركتني » في جريدة الأخبار القاهرية عدد يوم 25 / 4 / 1970 ص 12 .
( 2 ) حياة الحيوان للدميري 1 / 245 ، عن مفاتيح الكنوز لعز الدين بن عبد السلام .
( 3 ) مرصاد العباد من المبدأ إلى المعاد لنجم الدين الرازي ( أبي بكر عبد اللّه بن محمد بن شاهاور الأسدي ، ت 645 هـ / 1247 م ) ، طهران 1377 هـ ص 189 وهي عبارة تذّكر بقول المسيح ( ع ) « لما مضوا به إلى الموضع الذي يدعى جمجمة صلبوه هناك مع المذنبين واحدا عن يمينه والآخر عن يساره فقال يسوع : يا أبتاه اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون . . . » ( إنجيل لوقا الأصحاح 23 الآية 33 ، 34 ) . وهذا المعنى ورد على لسان النبي ( ص ) في قوله : « رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون » ( البخاري ، أنبياء ، الطبعة الأولى 54 ، مرتدين 5 ، صحيح مسلم ، جهاد 104 ، سنن ابن ماجة فتن 23 ، مسند ابن حنبل 1 / 380 ، 427 ، 432 إلخ . . . ) .
( 4 ) تجارب الأمم تحقيق ه . ن . أمدروز ، مصر 1334 هـ / 1914 م ، ص 82 .( 5 ) تجارب الأمم تحقيق ه . ن . أمدروز ، مصر 1334 هـ / 1914 م ، ص 82 .
( 6 ) انظر « السلسبيل المعين في الطرائق الأربعين » لمحمد بن علي السنوسي المؤسس -
« 67 »
هامش تجارب الأمم ( 1 : 86 ) ، وأختا جميلة كانت تحتقر الرجال ولا تحتجب منهم « 1 » ، وتقول : « الحلّاج نفسه نصف رجل لإفشائه الأسرار الإلهية ، فكيف بباقي الرجال » « 2 » .
ومن الاكتشافات التي أعتز بها حقا أني التقيت في أثناء إيفادي إلى كلية الآداب بجامعة الإسكندرية في السنة الجامعيّة 1967 - 68 م بأخ فلسطيني من خريجي قسم الجغرافية بهذه الكلية سنة 1967 م تسمّى لي فإذا هو يحمل لقب « الحلّاج » ، وكان ذلك في الثاني من نيسان ( أبريل ) 1968 م .
وسألته عن معنى اللقب فذكر أنه ينتمي إلى الحسين بن منصور الحلّاج ، وأن الأسرة كانت تحتفظ بشجرة نسبها عند « علي أحمد الحلّاج » في قلقيلية في الأردن فضاعت بوفاته .
والأخ الفلسطيني المذكور هو محمد شريف ( بن سعيد بن أحمد بن صالح بن حمّودة بن مصطفى الحلّاج ) ويعمل مدّرسا في مدرسة الجهراء المتوسطة للبنين في الجهراء بالكويت . وبناء على رجائي بعث إلي برسالة
..........................
- ( 1202 - 1276 هـ ، 1787 - 1860 م ) ؛ مطابع دار الكتاب اللبناني ، بيروت 1388 ه / 1968 م ص 37 ) ووصف السنوسي الحلّاج بأنه « صاحب الخرقة شطاح العراق رئيس السكارى والعشاق سيدي أبو المغيث حسين بن منصور بن أبي بكر الأنصاري الحلّاج رحمه اللّه وأثابه ، ووصفه قبل هذه السطور بالإمام ووصف طريقته بأنها « طريقة السادة الحلّاجية باعتبار أن « مبناها على الجمع باللّه ويتعلمون في تحصيله بذكر الجلالة بعد طرح الألف واللام منها وتحريك الهاء بالحركات الثلاث [ لاه ، لاه ، لاه ! ] ويضرب بالمضمومة على اليمين والمفتوحة على اليسار والمكسورة على القلب » . وزاد السنوسي بأن هذا الذكر « فوائده كثيرة » واستدرك بأنه « إلا أنه لا يجوز الذكر به إلا في الخلوة لعالم بالمدرك . وقال : هذا وقد علا [ الصحيح غلا ] كثير من المنتسبين إلى هذه الطائفة في المشرب فأفشوا كثيرا مما يجب كتمانه حتى اغتر به طائفة خذلهم اللّه تعالى ، والعياذ باللّه من مكره » ( ص 37 ) .
( 1 ) مرصاد العباد من المبدأ إلى المعاد لنجم الدين الرازي ، الباب الثاني ، الفصل الثالث . وانظر تاريخ إيران للسير جون مالكولم وترجمة ميرزا حيرت ( إلى الفارسية ) ، الهند 1323 ه / 1905 م ، ص 204 .
( 2 ) تاريخ كزيدة لحمد اللّه المستوفي القزويني ( ت 750 ه / 1349 - 50 م ) طبعة مصورة بليدن ، 1328 هـ / 1910 م ، ص 776 .
« 68 »
لاحقة في الثاني عشر من كانون الأول ( ديسمبر ) سنة 1968 م ألحق بها ثمرة جهده في جمع الأخبار المشتّتة عن الأسرة والمنتمين إليها الذين ينتشرون في العالم العربي كله ومنهم جماعة في أمريكا أيضا . وقال في رسالته المذكورة : « فقد قمت بذلك متفهّما لأسلوب البحث والدراسة والاستقصاء » ، وقال : « وكم كنت أود أن أوافيك بصورة عن المخطوطات وشجرة العائلة التي كانت محفوظة عند عمي الأكبر ولكن لم نعثر لها على أثر ، فقد لعبت نكبة فلسطين سنة 1948 م دورا في تشتيت أبناء شعب فلسطين وإضاعة الكثير من التراث . . . ولعدم اهتمام من توارثوا تلك المخطوطات وكتب الحسين بن منصور الشهيد ، لذلك فقد ضاعت بين النكبة وعدم الاهتمام ولكن حفظنا قصة حياة الشهيد الحلّاج الجد الأكبر جيلا بعد جيل بالسماع وبما كان يقرؤه الكبار من الكتب للصغار »وقد أرفق الأخ محمد شريف سعيد الحلّاج برسالته ، تلك كتيبا صغيرا عنوانه « قصة حسين الحلّاج وما جرى له مع علماء بغداد » من مطبوعات المكتبة الأدبية بحلب ، دون تاريخ ، وقد ورد على الغلاف أن هذه الرسالة « نقلت عن نسخة خطّية قديمة » .
وهذه الرسالة مما غفل عنه ماسينيون وتتضمن رواية شعبية لقصة شهيد الصوفية ؛ وقد استعملناها في تحقيق بعض الأشعار التي وردت مصحّفة في المصادر الأخرى ، وأكملنا منها بعضها الآخر ، واستخرجنا منها مادة للأشعار التي تنسب إلى الحلّاج وهو أحد الملحقين اللذين ألحقناهما بالديوان .
أما نتيجة بحث الأخ الحلّاج ، التي ضمّنها ورقتين منفصلتين ، فيسرنا أن نثبتها في ما يلي بنصها :
« أستاذي الفاضل ،
لقد هاجر أحفاد الحسين بن منصور الحلّاج من العراق إلى مصر وعاش غالبيتهم في القاهرة.
ومن القاهرة هاجر حسين السيد حمّودة الحلّاج وأخوه محمد إلى برّ الشام ( فلسطين ) حيث نزل الحسين قرية قلقيلية .
أمّا أخوه محمد السيد حمّودة فنزل قرية ( المغار ) من قرى قطاع غزة
« 69 »
، ومن هنا كان مركز أفراد العائلة في هاتين البلدتين في فلسطين . وفرع آخر من العائلة سكن في القرى المجاورة لمدينة يافا ، وهم الآن ( كذا ) بعضهم عاد إلى القاهرة حيث يسكنون العباسية ومنهم جماعة تسكن الزرقاء بالأردن بعد نكبة 1948 م التي أثّرت في أبناء شعب فلسطين وانتشارهم . والآن يوجد تركّز لأبناء العائلة في جبل الهاشمي ( مدينة عمان ) وفي مدينتي الزرقاء ، والرمثا بالأردن . وفي مدينة بغداد يوجد محمد خيري علي الحلّاج ، وفي أمريكا بولاية فلوريدا الدكتور محمد يوسف الحلّاج ، وهو منذ 13 سنة أستاذ في جامعة جاكسون قيل ، وآخرون في ألمانيا الغربية ويوغوسلافيا .
وجميع هؤلاء أحفاد الحسين بن السيد حمّودة الحلّاج الذي أنجب من الأولاد ثلاثة هم : يوسف وصالح ومحمد ، ومن نسلهم كان أفراد العائلة في قلقيلية وفي الأردن .
والابن الثالث لصالح بن الحسين السيد حمّودة ( محمد ) كان يرحمه اللّه مثالا للصلاح والتقوى ، يحترمه جميع أبناء البلد منذ صغره إلى أن توفي شيخا وقورا دون أن يتزوج ، زاهدا بالحياة الدنيا ، ولحب واحترام العائلة له فقد أطلق اسمه على العديد من أبناء العائلة .
ويقال عن شيخ آخر من أفراد العائلة - وهذا سمعنا قصته بعد النكبة ونحن نعيش في مدينة إربد - فقد علمنا أنه كان يعيش في قرية الطيبة بني علوان في غور الأردن وكان وحيدا يعمل في أرضه ، ومتدينا يعيش في منزل في أرضه ، بعيدا عن منازل القرية يتعبد . وبعد موته أقيم له ضريح . ولعدم وجود وريث له ، قسّمت الأرض بين جيرانه . ومحدّثنا أخذ نصيبه من ذلك .
وهو برغم كبر سنه يذكر ذلك الرجل الحلّاج وتقواه .
ومن المتصوفين المرحوم مصطفى الحلّاج الذي عاش في قرية رمانة إلى الشمال من الطيبة في فلسطين وعاش متعبدا دون أن يتزوج .
ومن نساء العائلة المتصوفات : عائشة بنت صالح بن الحسين الحلّاج التي عاشت متدينة تعشق الوحدة وتقوم الليل إلى الفجر .
(٧٠)
صور
تابع قناة تجليات في واتساب وتلجرام:
👇👇👇👇
شربنا كأس من نهوى جهارا فصرنا بعد رؤيته حيارى قبس من الحب https://whatsapp.com/channel/0029VafyIYC8aKvG18G5he11
https://t.me/Tagleiatsofia
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق