الخميس، 31 يناير 2013

يحكى ان كلثوم بن الأغر



يحكى ان كلثوم بن الأغر ( المعروف بدهائه وذكائه ) . .

كان قائدا" في جيش عبدالملك بن مروان
وكان الحجاج بن يوسف يبغض كلثوم
فدبر له مكيده جعلت عبدالملك بن مروان يحكم على كلثوم بن الأغر بالاعدام بالسيف فذهبت أم كلثوم إلى عبدالملك بن مروان تلتمس عفوه فاستحى منها لأن عمرها جاوز المائه عام . .
فقال لها :
سأجعل الحجاج يكتب في ورقتين الأولى يعدم وفي الورقه الثانيه لايعدم
ونجعل ابنكِ يختار ورقه قبل تنفيذ الحكم فإن كان مظلوم نجاه آللـَہ . .
فخرجت والحزن يعتريها فهي تعلم أنّ الحجاج يكره ابنها والأرجح أنّه سيكتب في الورقتين يعدم . .

فقال لها ابنها لا تقلقي يا أماه ،
ودعي الأمر لي ..

وفعلا قام الحجاج بكتابه كلمة (يعدم ) في الورقتين /

وتجمع الملأ في اليوم الموعود ليروا ما سيفعل
كلثوم ..
ولما جاء كلثوم في ساحة القصاص
قال له الحجاج وهو يبتسم بخبث
اختر واحده -

فابتسم كلثوم !

واختار ورقه وقال :اخترت هذه.

ثم قام ببلعها دون أن يقرأها
فاندهش الوالي وقال ماصنعت ياكلثوم :
لقد أكلت الورقه دون أن نعلم ما بها !

فقال كلثوم :
يامولاي اخترت ورقه وأكلتها دون أن أعلم مابها ولكي نعلم مابها ، انظر للورقه الأخرى فهي عكسها . .

فنظر الوالي للورقة الباقية فكانت{ يعدم }
فقالوا لقد اختار كلثوم أن لا يعدم


ImageChef Custom Images

الأربعاء، 30 يناير 2013

الخشوع






عن ميمون بن حيان قال: ما رأيت مسلم بن يسار متلفتاً في صلاته قط خفيفة ولا طويلة ، ولقد انهد مت ناحية المسجد ففزع أهل السوق لهدته وإنه في المسجد في صلاته فما التفت.

سُئل خلف بن أيوب : ألا يؤذيك الذباب في صلاتك فتطردها قال: لا أُعوِّد نفسي شيئاً يفسد علي صلاتي ، قيل له : وكيف تصبر على ذلك؟ قال : بلغني أن الفساق يصبرون تحت سياط السلطان فيقال : فلان صبور ويفتخرون بذلك ؛ فأنا قائم بين يدي ربي أفأتحرك لذبابة؟!!.
وكان ابن الزبير إذا قام في الصلاة كأنه عود من الخشوع .

وذكر الذهبي في ترجمة أبي عبد الله سفيان بن سعيد الثوري ..
أنه كان صاحب نسك وعبادة ..
قال عنه ابن وهب : رأيت سفيان الثوري في الحرم بعدما صلى المغرب .. قام ليصلي النافلة .. فسجد سجدة .. فلم يرفع رأسه حتى نودي بالعشاء ..

 
وقال علي بن الفضيل : أتيت أريد الطواف بالكعبة .. فإذا سفيان ساجداً يصلي فطفت شوطاً فإذا هو على سجوده .. فطفت الثاني فإذا هو على سجوده ..

وقال عنه عبد الرزاق – أحد تلاميذه - :
لما قدم سفيان علينا طبخت له قدر سكباج – لحم مع الخل - فأكل .. ثم أتيته بزبيب الطائف فأكل .. ثم أتيته بالزبيب فأكل ..
فلما انتهى من طعامه .. قام .. ثم شد على وسطه إزاره .. ثم قال : يا عبد الرزاق .. يقولون : اعلف الحمار وكده .. ثم قام يصلي حتى الصباح ..
* * * * *
إنها الصَّلاةُ يا عباد الله : قرَّةُ عيونِ الموَحِّدين ، ولذَّةُ أرواح المحبين ، وبستان العابدين وثمرة الخاشعين .
فهيَ بستَانُ قلوبهم .. ولذَّةُ نفوسهم .. ورياضُ جوارحهم .
فيها يتقلبون في النعيم .. ويتقربون إلى الحليم الكريم ..
عبادة .. عظَّم الله أمرها .. وشرَّف أهلها .. وهي آخر ما أوصى به النبي عليه السلام .. وآخر ما يذهب من الإسلام .. وأول ما يسأل عنه العبد بين يدي الملك العلام .
* * *

هذا هو واقع الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم مع الصلاة ..
يفزعون إليها عند النوائب ..
ويلوذون بها في النوازِلِ ..
يتعرف بها أحدهم إلى الله في الرخاء .. فيعرفه ربه في الشدة
بوابة للرحمات ..
و مفتاح الكنز .. الذي من حصله حاز الخيرات ..
وكانت لأحدهم رَبيع قَلْبِهِ .. وحياة نفسه ، وقُرّة عَيْنِهِ ، ولذة جسده ، بل هي جلاءً حُزْنِهِ .. وذَهاب همِّه وغَمّه ..
وقد أشار المصطفى صل الله عليه وسلم إلى ذلك حين قال : ( أرحنا بها يا بلال) ولهذا ورد عنه أنه كان يقول : ( وجعلت قرة عيني في الصلاة

ImageChef Custom Images

من طرائف "توماس إديسون"







من طرائف "توماس إديسون" مخترع المصباح :

 1- سبب إختراعه للمصباح هي والدته فقد كانت في حاجة إلى إجراء عملية جراحية بسبب مرضها الشديد، إلا أن الطبيب لم يتمكن من إجراء العملية بسبب الظلام وإضطر لإنتظار الصباح.2- يقال أنه فشل حوالي ألف مرة قبل إختراع المصباح، وحينما سئل عن فشله 1000 مرة قال : أنا لم أفشل 1000 مرة بل إكتشفت 1000 طريقة لا تؤدّي إلى إختراع المصباح.
3- صحفي شاب أراد الحصول على حديث من أديسون صاحب الألف إختراع ولكنّه لم يستطيع الوصول فما كان من الصحفي إلا أن نشر في اليوم التالي حديثا مطولا مع أديسون بعنوان "أعظم مخترع في العالم" فإتصل به، وقال له: بل أنت أكبر مخترع في العالم وليس أنا"


4- عندما كان صغيرا قيل أنه لم يستكمل تعليمه الحكومي، فبعد أيام قليلة من الدراسة أرسله مدرّسه إلى أمه وأرسل معه خطاب يقول فيه : "من الأفضل لإبنك أن يجلس في البيت لأنه غبي " فقالت الأم إبني ليس غبيا بل هم الأغبياء ... وإحتضنت إبنها قائلة له :

"لو كل الناس أنكروا ذكائك يا صغـيري فيكفيك أنني أؤمن به، أنت طفلي الذكي، دعهم وما يقولـون وإسمع ما أقول : أنت أذكى طفل في العالم"


لذلك يقول إديسون:

* إن أمي هي التي علمتني، لأنّها كانت تحترمني وتثق بي.

أشعرتني أنّي أهم شخص في الوجود، فأصبح وجودي ضروريا من أجلها وعاهدت نفسي أن لا أخذلها كما لم تخذلني قط.

هكذا تستطيع الأم بث الثقة في نفوس الأبناء حينما يخذلهم العالم ... وهكذا تكون صناعة العظماء !!


هل واجهت الألم ؟ متى ستبدأ مشوار النجاح والأمل ؟ ==> ليكن لديك ثقة أن ألمك سيقودك للنجاح

 
ImageChef Custom Images

من نوادر الاصمعي



قال الأصمعي: كنت أقرأ: (( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللهِ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ))

وكان بجانبي أعرابي فقال: كلام مَن هذا ؟؟
فقلت: كلام الله

قال: أعِد
فأعدت؛ فقال: ليس هذا كلام الله

فانتبهتُ فقرأت: (( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللهِ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ))

فقال: أصبت
فقلت: أتقرأ القرآن ؟؟
قال: لا

قلت: فمن أين علمت ؟؟
فقال: يا هذا، عزَّ فحكم فقطع، ولو غفر ورحم لما قطع


ImageChef Custom Images

الحسين بن منصور الحلاج‌


 الحسين بن منصور الحلاج‌

المكتبة الإسلامية > تراجم الأعلام
الحَلاج‌ هو الحسين بن منصور بن محمي , أبو عبد الله , ويقال : أبو مغيث , الفارسي البيضاوي الصوفي .

والبيضاء : مدينة ببلاد فارس .

وكان جده مَحْمِيٌّ مجوسيا.

نشأ الحسين بتُسْتَر , فصحب سهل بن عبد الله التستري , وصحب ببغداد الجنيد , وأبا الحسين النوري , وصحب عمرو بن عثمان المكي. وأكثر الترحال والأسفار والمجاهدة.

وكان يصحح حاله أبو العباس بن عطاء , ومحمد بن خفيف , وإبراهيم أبو القاسم النصرآباذي.

وتبرأ منه سائر الصوفية والمشايخ والعلماء لما سترى من سوء سيرته ومُروقه , ومنهم من نسبه إلى الحلول , ومنهم من نسبه إلى الزندقة , وإلى الشعبذة والزوكرة , وقد تستر به طائفة من ذوي الضلال والانحلال , وانتحلوه وروَّجوا به على الجهّال. نسأل الله العصمة في الدين.

أنبأني ابن علان وغيره : أن أبا اليمن الكندي أخبرهم ، قال : أخبرنا أبو منصور الشيباني , أخبرنا أبو بكر الخطيب , حدثني مسعود بن ناصر السِّجْزي , حدثنا ابن باكويه , أخبرني حمدُ بن الحلاج قال : مولد أبي بطور البيضاء , ومنشؤه تستر , وتلمذ لسهل سنتين , ثم صعد إلى بغداد.

كان يلبس المُسوح , ووقتا يلبس الدُّرّاعة , والعمامة والقباء , ووقتا يمشي بخرقتين , فأول ما سافر من تستر إلى البصرة كان له ثمان عشرة سنة , ثم خرج إلى عمرو المكي , فأقام معه ثمانية عشر شهرا , ثم إلى الجنيد , ثم وقع بينه وبين الجنيد لأجل مسألة , ونسبه الجنيد إلى أنه مدَّعٍ , فاستوحش وأخذ والدتي , ورجع إلى تستر , فأقام سنة , ووقع له القبول التام , ولم يزل عمرو بن عثمان يكتب الكتب فيه بالعظائم حتى حرد أبي ورمى بثياب الصوفية , ولبس قباء , وأخذ في صحبة أبناء الدنيا.

ثم إنه خرج وغاب عنا خمس سنين , بلغ إلى ما وراء النهر , ثم رجع إلى فارس , وأخذ يتكلم على الناس , ويعمل المجلس ويدعو إلى الله تعالى , وصنف لهم تصانيف , وكان يتكلم على ما في قلوب الناس , فسُمِّي بذلك حلاج الأسرار , ولُقب به.

ثم قدم الأهواز وطلبني , فحُملت إليه , ثم خرج إلى البصرة , ثم خرج إلى مكة ولبس المرقعة , وخرج معه خلق , وحسده أبو يعقوب النهرجوري , وتكلم فيه , ثم جاء إلى الأهواز , وحمل أمي وجماعة من كبار أهل الأهواز إلى بغداد , فأقام بها سنة. ثم قصد إلى الهند وما وراء النهر ثانيا , ودعا إلى الله , وألف لهم كتبا , ثم رجع , فكانوا يكاتبونه من الهند بالمغيث , ومن بلاد ماصين وتُرْكستان بالمُقِيت , ومن خراسان بأبي عبد الله الزاهد , ومن خوزستان بالشيخ حلاج الأسرار.

وكان ببغداد قوم يسمونه المُصطلم , وبالبصرة المُحيّر , ثم كثرت الأقاويل عليه بعد رجوعه من هذه السفرة , فقام وحج ثالثا , وجاور سنتين , ثم رجع وتغير عما كان عليه في الأول , واقتنى العقار ببغداد , وبني دارا , ودعا الناس إلى معنى لم أقف عليه , إلا على شطر منه , ثم وقع بينه وبين الشبلي وغيره من مشايخ الصوفية , فقيل : هو ساحر. وقيل : هو مجنون. وقيل : هو ذو كرامات , حتى أخذه السلطان. انتهى كلام ولده.

وقال السلمي : إنما قيل له : الحلاج لأنه دخل واسطا إلى حلاج , وبعثه في شغل , فقال : أنا مشغول بصنعتي. فقال : اذهب أنت حتى أعينك. فلما رجع وجد كل قطن عنده محلوجا.

قال إبراهيم بن عمر بن حنظلة الواسطي السماك , عن أبيه : قال : دخل الحسين بن منصور واسطا , فاستقبله قطان , فكلفه الحسين إصلاح شغله والرجل يتثاقل فيه , فقال : اذهب فإني أعينك. فذهب , فلما رجع رأى كل قطن عنده محلوجا مندوفا , وكان أربعة وعشرين ألف رطل.

وقيل : بل لتكلمه على الأسرار.

وقيل : كان أبوه حلاجا.

وقال أبو نصر السراج : صحب الحلاج عمرو بن عثمان , وسرق منه كتبا فيها شيء من علم التصوف , فدعا عليه عمرو : اللهم اقطع يديه ورجليه.

قال ابن الوليد : كان المشايخ يستثقلون كلامه , وينالون منه ؛ لأنه كان يأخذ نفسه بأشياء تخالف الشريعة , وطريقة الزهاد , وكان يدعي المحبة لله , ويظهر منه ما يخالف دعواه.

قلت : ولا ريب أن اتباع الرسول -صلى الله عليه وسلم- علمٌ لمحبة الله ؛ لقوله تعالى : قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ . أبو عبد الرحمن السلمي : أخبرنا محمد بن الحضرمي , عن أبيه ، قال : كنت جالسا عند الجنيد , إذ ورد شاب عليه خرقتان , فسلم وجلس ساعة , فأقبل عليه الجنيد , فقال له : سَلْ ما تريد أن تسأل. فقال له : ما الذي باين الخليفة عن رسوم الطبع ؟ فقال الجنيد له : أرى في كلامك فضولا , لم لا تسأل عن ما في ضميرك من الخروج والتقدم على أبناء جنسك ؟ فأقبل الجنيد يتكلم , وأخذ هو يعارضه , إلى أن قال له الجنيد , أي خشبة تفسدها ؟ يريد أنه يُصْلب.

قال السلمي : وسمعت أبا علي الهمذاني يقول : سألت إبراهيم بن شيبان عن الحلاج , فقال : من أحب أن ينظر إلى ثمرات الدعاوى الفاسدة فلينظر إلى الحلاج وما صار إليه.

أبو عبد الله بن باكويه : حدثنا أبو الفوارس الجوزقاني : حدثنا إبراهيم بن شيبان ، قال : سلم أستاذي أبو عبد الله المغربي على عمرو بن عثمان , فجاراه في مسألة , فجرى في عرض الكلام أن قال : هاهنا شاب على جبل أبي قُبَيْس. فلما خرجنا من عند عمرو صعدنا إليه , وكان وقت الهاجرة , فدخلنا عليه , فإذا هو جالس في صحن الدار على صخرة في الشمس , والعرق يسيل منه على الصخرة , فلما نظر إليه المغربي رجع وأشار بيده : ارجع. فنزلنا المسجد , فقال لي أبو عبد الله : إن عشت ترى ما يلقى هذا قد قعد بحمقه يتصبر مع الله. فسألنا عنه , فإذا هو الحلاج.

قال السلمي : حدثنا محمد بن عبد الله بن شاذان : سمعت محمد بن علي الكتاني يقول : دخل الحلاج مكة , فجهدنا حتى أخذنا مرقعته , فأخدنا منها قملة , فوزنَّاها , فإذا فيها نصف دانق من شدة مجاهدته.

قلت : ابن شاذان متهم , وقد سمعنا بكثرة القمل , أما كبر القمل فما وقع , ولو كان يقع لتداوله الناس.

قال علي بن المحسن التنوخي أخبرنا أبي : حدثني محمد بن عمر القاضي قال : حملني خالي معه إلى الحلاج , فقال لخالي : قد عملت على الخروج من البصرة. قال : ولم ؟ قال : قد صيرني أهلها حديثا , حتى إن رجلا حمل إلي دراهم وقال : اصرفها إلى الفقراء , فلم يكن بحضرتي أحد , فجعلتها تحت بارية فلما كان من غد احتفَّ بي قوم من الفقراء , فشُلْتُ البارية وأعطيتهم تلك الدراهم , فشنعوا وقالوا : إني أضرب بيدي إلى التراب فيصير دراهم. وأخذ يعدد مثل هذا , فقام خالي وقال : هذا مُتنمّس .

قال النديم : قرأت بخط عبيد الله بن أحمد بن أبي طاهر : كان الحلاج مشعبذا محتالا , يتعاطى التصرُّف , ويدعي كل علم , وكان صفرا من ذلك , وكان يعرف في الكيمياء , وكان مقداما جسورا على السلاطين , مرتكبا للعظائم , يروم إقلاب الدول , ويدعي عند أصحابه الإلهية , ويقول بالحلول , ويُظهر التشيع للملوك , ومذاهب الصوفية للعامة , وفي تضاعيف ذلك يدعي أن الإلهية حلت فيه , تعالى الله وتقدس عما يقول.

وقال ابن باكويه : سمعت أبا الحسن بن أبي توبة يقول : سمعت علي بن أحمد الحاسب يقول : سمعت والدي يقول : وجهني المعتضد إلى الهند لأمور أتعرفها له , فكان معي في السفينة رجل يعرف بالحسين بن منصور , وكان حسن العشرة , فلما خرجنا من المركب قلت : لم جئت ؟ قال : لأتعلم لسحر وأدعو الخلق إلى الله. وكان على سطح كوخ فيه شيخ , فقال له : هل عندكم من يعرف شيئا من السحر ؟ قال : فأخرج الشيخ كُبَّة من غزل , وناول طرفها الحسين , ثم رمى الكبة في الهواء , فصارت طاقة واحدة , ثم صعد عليها ونزل , وقال للحسين : مثل هذا تريد ؟.

وقال أبو القاسم التنوخي سمعت أحمد بن يوسف الأزرق : حدثني غير واحد من الثقات أن الحلاج كان قد أنفذ أحد أصحابه إلى بلاد الجبل , ووافقه على حيلة يعملها , فسافر , وأقام عندهم سنين يظهر النسك والعبادة , وإقراء القرآن والصوم , حتى إذا علم أنه قد تمكن أظهر أنه قد عمي , فكان يقاد إلى المسجد , ويتعامى شهورا , ثم أظهر أنه قد زَمِن , فكان يُحمل إلى المسجد , حتى مضت سنة على ذلك , وتقرر في النفوس زمانته وعماه , فقال لهم بعد ذلك: رأيت في النوم كأن النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول لي : إنه يطرق هذا البلد عبد مجاب الدعوة , تُعافى على يده , فاطلبوا لي كل من يجتاز من الفقراء , فلعل الله أن أُعافى.

فتعلقت النفوس بذلك العبد, ومضى الأجل الذي بينه وبين الحلاج , فقدم البلد , ولبس الصوف , وعكف في الجامع , فتنبهوا له , وأخبروا الأعمى , فقال : احملوني إليه . فلما حصل عنده وعلم أنه الحلاج قال : يا عبد الله ، إني رأيت مناما. وقصَّه عليه , فقال : من أنا وما محلي ؟ ثم أخذ يدعو له , ومسح يده عليه, فقام [المتزامن] صحيحا بصيرا , فانقلب البلد , وازدحموا على الحلاج , فتركهم وسافر , وأقام المعافى شهورا , ثم قال لهم : إن من حق الله عندي , ورده جوارحي علي أن أنفرد بالعبادة , وأن أقيم في الثغر , وأنا أستودعكم الله. فأعطاه هذا ألف درهم وقال : اغز بها عني . وأعطاه هذا مائة دينار وقال : اخرج بها في غزوة. وأعطاه هذا مالا , وهذا مالا حتى اجتمع له ألوف دنانير ودراهم , فلحق بالحلاج , وقاسمه عليها.

قال التنوخي : أخبرنا أبي ، قال : من مخاريق الحلاج : أنه كان إذا أراد سفرا ومعه من يتنمس عليه ويهوسه , قدم قبل ذلك من أصحابه الذين يكشف لهم الأمر , ثم يمضي إلى الصحراء , فيدفن فيها كعكا , وسكرا , وسويقا , وفاكهة يابسة , ويعلم على مواضعها بحجر , فإذا خرج القوم وتعبوا قال أصحابه : نريد الساعة كذا وكذا. فينفرد ويُري أنه يدعو , ثم يجيء إلى الموضع فيخرج الدفين المطلوب منه. أخبرني بذلك الجم الغفير.

وأخبروني قالوا : ربما خرج إلى بساتين البلد , فيقدم من يدفن الفالوذج الحار في الرقاق , والسمك السخن في الرقاق , فإذا خرج طلب منه الرجل -في الحال- الذي دفنه , فيخرجه هو.

ابن باكويه : سمعت محمد بن خفيف ، سمعت أبا يعقوب النهرجوري يقول : دخل الحلاج مكة ومعه أربع مائة رجل , فأخذ كل شيخ من شيوخ الصوفية جماعة , فلما كان وقت المغرب جئت إليه , قلت : قم نفطر. فقال : نأكل على رأس أبي قبيس. فصعدنا فلما أكلنا قال الحسين : لم نأكل شيئا حلوا ! قلت : أليس قد أكلنا التمر ؟ فقال أريد شيئا مسته النار. فهام وأخذ ركوة , وغاب ساعة , ثم رجع ومعه جام حلواء , فوضعه بين أيدينا وقال: بسم الله. فأخذ القوم يأكلون وأنا أقول : قد أخذ في الصنعة التي نسبها إليه عمرو بن عثمان , فأخذت قطعة , ونزلت الوادي , ودرت على الحلاويين أريهم تلك الحلواء , وأسألهم , حتى قالت لي طباخة : لا يعمل هذا إلا بزبيد , إلا أنه لا يمكن حمله , فلا أدري كيف حُمل ؟ فرجع رجل من زبيد إلى زبيد , فتعرف الخبر بزبيد : هل ضاع لأحد من الحلاويين جام علامته كذا وكذا ؟ وإذا به قد حمل من دكان إنسان حلاوي , فصحَّ عندي أن الرجل مخدوم.

قال أبو علي ابن البناء -فيما رواه عنه ابن ناصر بالإجازة- : حرك الحلاج يده يوما , فنثر على مَنْ عنده دراهم. فقال بعضهم : هذه دراهم معروفة , ولكن أؤمن بك إذا أعطيتني درهما عليه اسمك واسم أبيك. فقال : وكيف وهذا لم يصنع ؟ قال : من أحضر من ليس بحاضر صنع ما لم يصنع. فهذه حكاية منقطعة.

وقال التنوخي : أخبرنا أبي : أخبرنا أبو القاسم إسماعيل بن محمد بن زنجي الكاتب , عن أبيه ، قال : حضرت مجلس حامد الوزير , وقد أحضر السمري -صاحب الحلاج- وسأله عن أشياء من أمر الحلاج , وقال له: حدثني بما شاهدت منه. فقال : إن رأى الوزير أن يعفيني , فعل. فألحَّ عليه , فقال : أعلم أني إن حدثتك كذبتني , ولم آمن عقوبة. فأمنه, فقال : كنت معه بفارس فخرجنا إلى إصطخر في الشتاء , فاشتهيت عليه خيارا , فقال لي : في مثل هذا المكان والزمان ؟ قلت : هو شيء عرض لي , فلما كان بعد ساعة قال : أنت على شهوتك ؟ قلت : نعم , فسرنا إلى جبل ثلج , فأدخل يده فيه , وأخرج إلي خيارة خضراء , فأكلتها. فقال حامد : كذبت يا ابن مائة ألف زانية , أوجِعوا فكَّه. فأسرع إليه الغلمان , وهو يصيح: أليس من هذا خفنا ؟ وأخرج , فأقبل حامد الوزير يتحدث عن قوم من أصحاب النيرنجات أنهم كانوا يغدون بإخراج التين وما يجري مجراه من الفواكه , فإذا حصل في يد الإنسان وأراد أن يأكله صار بَعْرا .

قلت : صدق حامد , هذا هو شغل أرباب السحر والسيمياء , ولكن قد يقوى فعلهم بحيث يأكل الرجل البعر ولا يشعر بطعمه.

قال ابن باكويه : حدثنا أبو عبد الله بن مفلح , حدثنا طاهر بن عبد الله التستري ، قال : تعجبت من أمر الحلاج , فلم أزل أتتبع وأطلب الحيل , وأتعلم النارنجيات لأقف على ما هو عليه , فدخلت عليه يوما من الأيام , وسلمت وجلست ساعة , فقال لي : يا طاهر ، لا تتعنَّ ؛ فإن الذي تراه وتسمعه من فعل الأشخاص لا من فعلي , لا تظن أنه كرامة أو شعوذة. فعل الأشخاص : يعني به الجن.

وقال التنوخي : أخبرنا أبي : سمعت أحمد بن يوسف الأزرق : أن الحلاج لما قدم بغداد استغوى خلقا من الناس والرؤساء , وكان طمعه في الرافضة أقوى لدخوله في طريقهم , فراسل أبا سهل بن نوبخت يستغويه , وكان أبو سهل فطنا , فقال لرسوله : هذه المعجزات التي يظهرها يمكن فيها الحيل , ولكني رجل غزل , ولا لذة لي أكبر من النساء , وأنا مبتلًى بالصلع , فإن جعل لي شعرا ورد لحيتي سوداء , آمنت بما يدعوني إليه وقلت : إنه باب الإمام , وإن شاء قلت : إنه الإمام , وإن شاء قلت : إنه النبي , وإن شاء قلت : إنه الله. فأيس الحلاج منه وكفَّ.

قال الأزرق : وكان يدعو كل قوم إلى شيء من هذه الأشياء حسب ما يستبله طائفة طائفة. أخبرني جماعة من أصحابه : أنه لما افتتن به الناس بالأهواز وكورها بما يخرج لهم من الأطعمة والأشربة في غير حينها , والدراهم التي سماها دراهم القدرة , فحدث أبو علي الجبائي بذلك , فقال : هذه الأشياء يمكن الحيل فيها في منازل , لكن أدخلوه بيتا من بيوتكم وكلفوه أن يخرج منه جُرْزَتَين شوكا. فبلغ الحلاج قوله , وأن قوما قد عملوا على ذلك , فسافر.

وفي " النشوار " للتنوخي أخبرنا أبو بكر محمد بن إسحاق الأهوازي ، قال : حدثني منجم ماهر قال : بلغني خبر الحلاج , فجئته كالمسترشد , فخاطبني وخاطبته ، ثم قال : تَشَهَّ الساعة ما شئت حتى أجيئك به. وكنا في بعض بلدان الجبل التي لا يكون فيها الأنهار , فقلت : أريد سمكا طريا حيا , فقام , فدخل البيت , وأغلق بابه , وأبطأ ساعة , ثم جاءني وقد خاض وحلا إلى ركبته , ومعه سمكة تضطرب , وقال : دعوت الله , فأمرني أن أقصد البطائح , فجئت بهذه.

قال : فعلمت أن هذا حيلة , فقلت له : فدعني أدخل البيت , فإن لم تنكشف لي حيلة آمنت بك . قال : شأنك. فدخلت البيت وغلَّقت على نفسي , فلم أجد طريقا ولا حيلة , ثم قلعت من التأزير , ودخلت إلى دار كبيرة فيها بستان عظيم , فيه صنوف الأشجار , والثمار , والريحان , التي هو وقتها , وما ليس وقتها مما قد غُطِّي وعُتِّق واحتيل في بقائه , وإذا الخزائن مفتحة , فيها أنواع الأطعمة وغير ذلك , وإذا بركة كبيرة , خضتها , فإذا رجلي قد صارت بالوحل كرجليه , فقلت : الآن إن خرجت ومعي سمكة قتلني , فصدت سمكة , فلما صرت إلى باب البيت أقبلت أقول : آمنت وصدقت , ما ثَمَّ حيلة , وليس إلا التصديق بك.

قال : فخرج. وخرجت وعدوت , فرأى السمكة معي , فعدا خلفي , فلحقني , فضربت بالسمكة في وجهه وقلت له : أتعبتني حتى مضيت إلى البحر فاستخرجت هذه , فاشتغل بما لحقه من السمكة , فلما صرت في الطريق رميت بنفسي لما لحقني من الجزع والفزع ، فجاء إليَّ , وضاحكني وقال : ادخل. فقلت : هيهات. فقال : اسمع , والله لئن شئت قتلتك على فراشك , ولكن إن سمعت بهذه الحكاية لأقتلنك. فما حكيتها حتى قُتل.

قلت : هذا المنجم مجهول , أنا أستبعد صدقه.

ابن باكويه : سمعت علي بن الحسين الفارسي بالموصل , سمعت أبا بكر بن سعدان يقول : قال لي الحلاج : تؤمن بي حتى أبعث إليك بعصفور أطرح من ذرقها وزن حبة على كذا مَنًّا نحاسا فيصير ذهبا ؟. فقلت له : بل أنت تؤمن بي حتى أبعث إليك بفيل يستلقي فتصير قوائمه في السماء , فإذا أردت أن تخفيه أخفيته في إحدى عينيك. قال : فبُهت وسكت.

ويروى أن رجلا قال للحلاج : أريد تفاحة , ولم يكن وقته , فأومأ بيده إلى الهواء , فأعطاهم تفاحة وقال : هذه من الجنة. فقيل له : فاكهة الجنة غير متغيرة , وهذه فيها دودة. فقال : لأنها خرجت من دار البقاء إلى دار الفناء , فحلَّ بها جزء من البلاء.

فانظر إلى ترامي هذا المسكين على الكرامات والخوارق , فنعوذ بالله من الخذلان , فعن عمر -رضي الله عنه- أنه كان يتعوذ من خشوع النفاق.

قال ابن باكويه : حدثنا حمد بن الحلاج قال : ثم قدم أبي بغداد , وبنى دارا , ودعا الناس إلى معنى لم أقف إلا على شطر منه , حتى خرج عليه محمد بن داود وجماعة من العلماء , وقبحوا صورته , ووقع بينه وبين الشبلي.

قال ابن باكويه : سمعت عيسى بن بزول القزويني يقول : إنه سأل ابن خفيف عن معنى هذه الأبيات : سبحـان من أظهر ناسُوتُه

سرَّ سنا لاهوته الثاقــب ثـم بــدا في خلقه ظاهرا

فـي صورة الآكل والشارب حـتى لقـد عاينـه خلقـه

كلحظـة الحـاجب بالحاجب فقال ابن خفيف : على قائل ذا لعنة الله. قال : هذا شعر الحسين الحلاج. قال : إن كان هذا اعتقاده فهو كافر . فربما يكون مقولا عليه .

السلمي أخبرنا عبد الواحد بن بكر , سمعت أحمد بن فارس , سمعت الحلاج يقول : حجبهم الاسم فعاشوا , ولو أبرز لهم علوم القدرة لطاشوا.

وقال : أسماء الله من حيث الإدراك رسم ومن حيث الحق حقيقة.

وقال : إذا تخلص العبد إلى مقام المعرفة , أوحي إليه بخاطرة.

وقال : من التمس الحق بنور الإيمان كان كمن طلب الشمس بنور الكواكب.

وقال : ما انفصلت البشرية عنه , ولا اتصلت به.

ومما رَوِيَ للحلاج : أنت بين الشغاف والقلب تجري

مثـل جـري الدموع من أجفاني وتحل الضمـير جـوف فـؤادي

كحـول الأرواح فـي الأبــدان يـا هلالا بـدا لأربـع عشـر

لثمـــان وأربــع واثنتــان وله : مـزجــت روحــي فـي روحـك كمـا

تُــمْزَج الخمــرة بالماء الزلال فـــإذا مســـك شـــيء مســني

فـإذا أنـت أنـا فـي كـل حـال وعن القناد قال : لقيت يوما الحلاج في حالة رثة , فقلت له : كيف حالك ؟ فأنشأ يقول : لـئن أمسيت في ثوبي عديمٍ

لقــد بليا على حُرٍّ كريم فـلا يحزنك أن أبصرت حالا

مغـيرة عـن الحال القديم فلي نفس ستذهب أو سترقى

لعمرك بي إلى أمر جسيم وفي سنة إحدى وثلاث مائة أُدخل الحلاج بغداد مشهورا على جَمل , قبض عليه بالسوس , وحُمل إلى الرائشي , فبعث به إلى بغداد , فصُلب حيا , ونُودي عليه : هذا أحد دعاة القرامطة فاعرفوه.

وقال الفقيه أبو عليِّ بن البَنّاء : كان الحلاج قد ادعى أنه إله , وأنه يقول بحلول اللاهوت في الناسوت , فأحضره الوزير علي بن عيسى فلم يجده -إذ سأله- يحسن القرآن والفقه ولا الحديث , فقال : تعلمك الفرض والطهورأجدى عليك من رسائل لا تدري ما تقول فيها. كم تكتب -ويللك- إلى الناس : تبارك ذو النور الشعشعاني ؟ ! ما أحوجك إلى أدب ! وأمر به فصُلب في الجانب الشرقي , ثم في الغربي , ووجد في كتبه : إني مغرق قوم نوح , ومهلك عاد وثمود.

وكان يقول للواحد من أصحابه : أنت نوح. ولآخر : أنت موسى. ولآخر : أنت محمد.

وقال : من رَسَتْ قدمه في مكان المناجاة , وكُوشف بالمباشرة , ولُوطف بالمجاورة , وتلذذ بالقرب , وتزين بالأنس , وترشح بمرأى الملكوت , وتوشح بمحاسن الجبروت , وترقى بعد أن توقى , وتحقق بعد أن تمزق , وتمزق بعد أن تزندق , وتصرف بعد أن تعرف , وخاطب وما راقب , وتدلل بعد أن تذلل , ودخل وما استأذن , وقرب لما خرب , وكُلِّم لما كُرِّم , ما قتلوه وما صلبوه.

ابن باكويه : سمعت الحسين بن محمد المذاري يقول : سمعت أبا يعقوب النهرجوري يقول : دخل الحسين بن منصور مكة , فجلس في صحن المسجد لا يبرح من موضعه إلا للطهارة أو الطواف , لا يبالي بالشمس ولا بالمطر , فكان يحمل إليه كل عشية كوز وقرص , فيعضّ من جوانبه أربع عضّات ويشرب.

أخبرنا المسلم بن محمد القيسي كتابة , أخبرنا الكندي , أخبرنا ابن زريق , أخبرنا أبو بكر الخطيب , حدثني محمد بن أبي الحسن الساحلي , عن أحمد بن محمد النسوي , سمعت محمد بن الحسين الحافظ , سمعت إبراهيم بن محمد الواعظ يقول : قال أبو القاسم الرازي : قال أبو بكر بن مُمْشاذ : حضر عندنا بالدينور رجل معه مخلاة , ففتشوها , فوجدوا فيها كتابا للحلاج عنوانه : من الرحمن الرحيم إلى فلان بن فلان. فوجه إلى بغداد فأُحضر وعرض عليه , فقال : هذا خطي وأنا كتبته. فقالوا : كنت تدعي النبوة صرت تدعي الربوبية ؟ ! قال : لا , ولكن هذا عين الجمع عندنا , هل الكاتب إلا الله وأنا ؟ فاليد فيه آلة. فقيل : هل معك أحد , قال : نعم , ابن عطاء , وأبو محمد الحريري , والشبلي. فأُحضر الجريري وسئل , فقال : هذا كافر , يُقتل من يقول هذا. وسئل الشبلي , فقال : من يقول هذا يُمنع. وسئل ابن عطاء , فوافق الحلاج , فكان سبب قتله.

قلت : أما أبو العباس بن عطاء فلم يُقتل , وكلم الوزير بكلام غليظ لما سأله وقال : ما أنت وهذا , اشتغلت بظلم الناس. فعزره. وقال السلمي : حدثنا محمد بن عبد الله بن شاذان قال: كان الوزير حين أُحضر الحلاج للقتل حامد بن العباس , فأمره أن يكتب اعتقاده , فكتب اعتقاده , فعرضه الوزير على الفقهاء ببغداد , فأنكروه , فقيل لحامد : إن ابن اعطاء يصوِّب قوله. فأمر به. فعُرض على ابن عطاء , فقال : هذا اعتقاد صحيح , ومن لم يعتقد هذا فهو بلا اعتقاد. فأحضر إلى الوزير , فجاء , وتصدر في المجلس , فغاظ الوزير ذلك , ثم أخرج ذلك الخط فقال : أتصوب هذا ؟ قال : نعم , ما لك ولهذا ؟ عليك بما نصبت له من لمصادرة والظلم , ما لك وللكلام في هؤلاء السادة ؟ فقال الوزير : فَكَّيْهِ. فضُرِبَ فكّاه , فقال أبو العباس : اللهم إنك سلطت هذا عليَّ عقوبة لدخولي عليه. فقال الوزير : خُفَّه يا غلام. فنزع خفه. فقال : دماغه. فما زال يضرب دماغه حتى سال الدم من منخريه. ثم قال : الحبس. فقيل : أيها الوزير ؟ يتشوش العامة. فحمل إلى منزله.

وروى أبو إسحاق البرمكي , عن أبيه , عن جده قال : حضرت بين يدي أبي الحسن بن بشار , وعنده أبو العباس الأصبهاني , فذاكره بقصة الحلاج , وأنه لما قتل كتب ابن عطاء إلى ابن الحلاج كتابا يعزيه عن أبيه , وقال : رحم الله أباك , ونسخ روحه في أطيب الأجساد. فدل هذا على أنه يقول بالتناسخ , فوقع الكتاب في يد حامد , فأحضر أبا العباس بن عطاء وقال : هذا خطك ؟ قال : نعم. قال : فإقرارك أعظم. قال : فشيخ يكذب ؟ ! فامر به , فصفع , فقال أبو الحسن بن بشار : إني لأرجو أن يدخل الله حامد بن العباس الجنة بذلك الصَّفْع.

قال السلمي أكثر المشايخ ردُّوا الحلاج ونفوه , وأبوا أن يكون له قدم في التصوف , وقبله ابن عطاء , وابن خفيف , والنصرآباذي.

قلت : قد مرَّ أن ابن خفيف عرض عليه شيء من كلام الحلاج , فتبرأ منه.

وقال محمد بن يحيى الرازي: سمعت عمرو بن عثمان يلعن الحلاج ويقول : لو قدرت عليه لقتلته بيدي. فقلت : أيش وجد الشيخ عليه ؟ قال : قرأت آية من كتاب الله فقال : يمكنني أن أؤلف مثله.

وقال أبو يعقوب الأقطع : زوجت ابنتي من الحسين بن منصور لما رأيت من حسن طريقته واجتهاده , فبان لي بعد مدة يسيرة أنه ساحر , محتال كافر.

وقال أبو يعقوب النعماني : سمعت أبا بكر محمد بن داود الفقيه يقول : إن كان ما أنزل الله على نبيه حقا , فما يقول الحلاج باطل. وكان شديدا عليه.

السلمي : سمعت علي بن سعيد الواسطي بالكوفة يقول : ما تجرد أحد على الحلاج وحمل السلطان على قتله كما تجرد له ابن داود. وبلغني أنه لما أُخرج إلى القتل تغير وجه حامد بن العباس , فقال له بعض الفقهاء : لا تَشُكَّن أيها الوزير , إن كان ما جاء به محمد حقا , فما يقول هذا باطل.

السلمي : سمعت الحسين بن يحيى , سمعت جعفرا الخلدي وسئل عن الحلاج ، فقال : أعرفه وهو حدث , كان هو والفُوَطي يصحبان عَمْرا المكي وهو يحلج.

السلمي : سمعت جعفر بن أحمد يقول : سمعت أبا بكر بن أبي سعدان يقول : الحلاج مُمَوِّه مُمَخْرِق.

قال السلمي : وبلغني أنه وقف على الجنيد , فقال : أنا الحق. قال : بل أنت بالحق , أي خشبة تفسد.

السلمي : سمعت أبا بكر بن غالب يقول : سمعت بعض أصحابنا يقول : لما أرادوا قتل الحلاج , أُحضر لذلك الفقهاء , فسألوه : ما البرهان ؟ قال : شواهد يُلْبِسُها الحق لأهل الإخلاص , يجذب في النفوس إليها جاذب القبول. فقالوا بأجمعهم : هذا كلام أهل الزندقة.

فنقول : بل من وزن نفسه , وزَمَّها بالكتاب والسنة , فهو صاحب برهان وحجة , فما أخيب سهم من فاته ذلك !

قال ابن الجوزي فيما أنبئوني عنه : إن شيخه أبا بكر الأنصاري أنبأه قال : شهدت أنا وجماعة على أبي الوفاء بن عقيل قال : كنت قد اعتقدت في الحلاج ونصرته في جزء , وأنا تائب إلى الله منه , وقد قُتل بإجماع فقهاء عصره , فأصابوا وأخطأ هو وحده.

السلمي : سمعت منصور بن عبد الله : سمعت الشبلي يقول : كنت أنا والحلاج شيئا واحدا , إلا أنه أظهر وكتمت. وسمعت منصورا يقول : وقف الشبلي عليه وهو مصلوب , فنظر إليه وقال : ألم ننهك عن العالمين ؟ !

أبو القاسم التنوخي : أخبرنا أبي : حدثني حسين بن عباس عمن حضر مجلس حامد ، وجاءوه بدفاتر الحلاج , فيها : إن الإنسان إذا أراد الحج فإنه يستغني عنه بأن يعمد إلى بيت في داره , فيعمل فيه محرابا , ويغتسل ويحرم , ويقول كذا وكذا , ويصلي كذا وكذا , ويطوف بذلك البيت , فإذا فرغ فقد سقط عنه الحج إلى الكعبة. فأقر به الحلاج وقال : هذا شيء رويته كما سمعته.

فتعلق بذلك عليه الوزير , واستفتى القاضيين : أبا جعفر أحمد بن البهلول , وأبا عمر محمد بن يوسف , فقال أبو عمر : هذه زندقة يجب بها القتل. وقال أبو جعفر : لا يجب بهذا قتل إلا أن يُقِرَّ أنه يعتقده ؛ لأن الناس قد يروون الكفر ولا يعتقدونه , وإن أخبر أنه يعتقده استتيب منه , فإن تاب فلا شيء عليه , وإلا قتل.

فعمل الوزير على فتوى أبي عمر على ما شاع وذاع من أمره , وظهر من إلحاده وكفره , فاستؤذن المقتدر في قتله , وكان قد استغوى نصرًا القشوري من طريق الصلاح والدين , لا بما كان يدعو إليه , فخوّف نصر السيدة أم المقتدر من قتله وقال : لا آمن أن يلحق ابنك عقوبة هذا الصالح. فمنعت المقتدر من قتله , فلم يقبل , وأمر حامدا بقتله , فحُمَّ المقتدر يومه ذلك , فازداد نصر وأم المقتدر افتتانا , وتشكك المقتدر , فأنفذ إلى حامد يمنعه من قتله , فأخر ذلك أياما إلى أن عُوفي المقتدر، فألحّ عليه حامد وقال : يا أمير المؤمنين ، هذا إن بقي قلب الشريعة , وارتد خلق على يده , وأدى ذلك إلى زوال سلطانك , فدعني أقتله , وإن أصابك شيء فاقتلني.

فأذن له في قتله , فقتله من يومه , فلما قُتل قال أصحابه : ما قُتل ؛ وإنما قتل برذون كان لفلان الكاتب , نفق يومئذ وهو يعود إلينا بعد مدة , فصارت هذه الجهالة مقالة طائفة. قال : وكان أكثر مخاريق الحلاج أنه يظهرها كالمعجزات , يستغوي بها ضَعَفَة الناس.

قال أبو علي التنوخي : أخبرني أبو الحسن أحمد بن يوسف التنوخي ، قال : أخبرني جماعة أن أهل مقالة الحلاج يعتقدون أن اللاهوت الذي كان فيه حالٌّ في ابنٍ له بتُسْتَر , وأن رجلا فيها هاشم يقال له : أبو عمارة محمد بن عبد الله قد حلت فيه روح محمد -صلى الله عليه وسلم- وهو يخاطب فيهم بسيدنا.

قال التنوخي الأزرق : فأخبرني بعض من استدعاه من الحلاجية إلى أبي عمارة هذا إلى مجلس , فتكلم فيه على مذهب الحلاج ويدعو إليه. قال : فدخلت وظنوا أني مسترشد , فتكلم بحضرتي والرجل أحول , فكان يقلب عينيه إليّ فيجيش خاطره بالهوس , فلما خرجنا قال لي الرجل : آمنت ؟ فقلت : أشد ما كنت تكذيبا لقولكم الآن , هذا عندكم بمنزلة النبي -صلى الله عليه وسلم ! ؟ لم لا يجعل نفسه غير أحول ؟ فقال : يا أبله ! وكأنه أحول ؛ إنما يقلب عينيه في الملكوت.

قال أبو علي التنوخي : أخبرني أبو العباس المتطبب أحد مسلمي الطب الذين شاهدتهم : إن حيَّ نور بن الحلاج بتستر , وإنه يلتقط دراهم من الهواء ويجمعها ويسميها دراهم القدرة , فأحضروا منها إلى مجمع كان لهم , فوضعوها واتخذوا أولئك يشهدون له أنه التقطها من الجو , يغرون بها قوما غرباء , يستدعونهم بذلك , ويرون أن قدرَ حيّ نور أجلُّ من أن يمتحن كل وقت , فلما وضعت الدراهم في منديل قلبتها فإذا فيها درهم زائف , فقلت: أهذه دراهم القدرة كلها ؟ قالوا : نعم. فأريتهم الدرهم الزيف , فتفرقت الجماعة وقمنا.

وكان حي نور قد استغوى قائدا ديلميا على تُسْتر , ثم زاد عليه في المخرقة الباردة , فانهتك له , فقتله. فمن بارد مخاريقه : أنه أحضر جرابا وقال له : إذا حزبك أمر أخرجت لك من هذا الجراب ألف تركي بسلاحهم ونفقتهم. فسقط من عينه واطرحه , فجاء إليه بعد مدة وقال : أنا أرد يد الملك أحمد بن بويه المقطوعة صحيحة , فأدخلني إليه. فصاح عليه وقال : أريد أن أقطع يدك ; فإن رددتها حملتك إليه , فاضطرب من ذلك , فرماه بشيء كانت فيه منيته , فبعثه سرا فغرَّقه.

قال علي بن محمود الزوزني : سمعت محمد بن محمد بن ثوابة يقول : حكى لي زيد القصري قال : كنت بالقدس , إذ دخل الحلاج , وكان يومئذ يشغل فيه قنديل قمامة بدهن البلسان فقام الفقراء إليه يطلبون منه شيئا , فدخل بهم إلى القمامة , فجلس بين الشمامسة وكان عليه السواد , فظنوه منهم , فقال لهم : متى يشعل القنديل ؟ قالوا : إلى أربع ساعات. فقال : كثير. فأومأ بأصبعه , فقال : الله. فخرجت نار من يده , فأشعلت القنديل , واشتعلت ألف قنديل حواليه , ثم رُدَّت النار إلى أصبعه , فقالوا : من أنت ؟ قال : أنا حنيفي , أقلُّ الحنيفيين , تحبون أن أقيم أو أخرج ؟ فقالوا : ما شئت. فقال : أعطوا هؤلاء شيئا. فأخرجوا بَدْرَة فيها عشرة آلاف درهم للفقراء.

فهذه الحكاية وأمثالها ما صح منها فحكمه أنه مخدوم من الجن.

قال التنوخي وحدثني أحمد بن يوسف الأزرق قال : بلغني أن الحلاج كان لا يأكل شيئا شهرا , فهالني هذا , وكان بين أبي الفرج وبين روحان الصوفي مودة وكان محدثا صالحا , وكان القصري -غلام الحلاج- زوج أخته , فسألته عن ذلك فقال : أما ما كان الحلاج يفعله فلا أعلم كيف كان يتم له , ولكن صهري القصري قد أخذ نفسه , ودرجها , حتى صار يصبر عن الأكل خمسة عشر يوما , أقل أو أكثر.

وكان يتم له ذلك بحيلة تخفى علي , فلما حُبس في جملة الحلاجية , كشفها لي , وقال لي : إن الرصد إذا وقع بالإنسان , وطال فلم تنكشف معه حيلة , ضعف عنه الرصد , ثم لا يزال يضعف كلما لم تنكشف حيلته , حتى يبطل أصلا , فيتمكن حينئذ من فعل ما يريد , وقد رصدني هؤلاء منذ خمسة عشر يوما , فما رأوني آكل شيئا بتة , وهذا نهاية صبري , فخذ رطلا من الزبيب ورطلا من اللوز , فدُقَّهُما , واجعلهما مثل الكسب وابسطه كالورقة , واجعلها بين ورقتين كدفتر , وخذ الدفتر في يدك مكشوفا مطويا ليخفى , وأحضره لي خفية لآكل منه وأشرب الماء في المضمضة , فيكفيني ذلك خمسة عشر يوما أخرى. فكنت أعمل ذلك له طول حبسه.

قال إسماعيل الخطبي في " تاريخه " : وظهر رجل يُعرف بالحلاج , وكان في حبس السلطان بسعاية وقعت به في وزارة علي بن عيسى , وذكر عنه ضروب من الزندقة , ووضع الحيل على تضليل الناس من جهات تشبه الشعوذة والسحر وادعاء النبوة , فكشفه الوزير , وأنهى خبره إلى المقتدر , فلم يقر بما رُمي به , وعاقبه , وصلبه حيا أياما , ونودي عليه , ثم حُبس سنين , ينقل من حبس إلى حبس , حتى حبس بأخرة في دار السلطان , فاستغوى جماعة من الغلمان , وموَّه عليهم , واستمالهم بحيلة , حتى صاروا يحمونه ويدفعون عنه.

ثم راسل جماعة من الكبار , فاستجابوا له , وترامى به الأمر حتى ذكر عنه أنه أدعى الربوبية , فسُعِي بجماعة من أصحابه فقبض عليهم , ووجد عند بعضهم كتب له تدل على ما قيل عنه , وانتشر خبره , وتكلم الناس في قتله , فسلمه الخليفة إلى الوزير حامد , وأمر أن يكشفه بحضرة القضاة , ويجمع بينه وبين أصحابه , فجرت في ذلك خطوب , ثم تيقن السلطان أمره , فأمر بقتله وإحراقه لسبع بقين من ذي القعدة سنة تسع وثلاث مائة, فضُرب بالسياط نحوا من ألف , وقُطعت يداه ورجلاه , وضربت عنقه , وأُحرق بدنه , ونُصب رأسه للناس , وعلقت يداه ورجلاه إلى جانب رأسه.

قال أبو علي التنوخي أخبرني أبو الحسين بن عياش القاضي عمن أخبره : أنه كان بحضرة حامد بن العباس لما قبض على الحلاج , وقد جيء بكتب وجدت في داره من دعاته في الأطراف يقولون فيها : وقد بذرنا لك في كل أرض ما يزكو فيها , وأجاب قوم إلى أنك الباب -يعني الإمام- وآخرون يعنون أنك صاحب الزمان يعنون الإمام الذي تنتظره الإمامية , وقوم إلى أنك صاحب الناموس الأكبر - يعنون النبي -صلى الله عليه وسلم- , وقوم يعنون أنك هو هو- يعني الله عز وجل.

قال : فسئل الحلاج عن تفسير هذه الكتب , فأخذ يدفعه ويقول : هذه الكتب لا أعرفها , هذه مدسوسة علي , ولا أعلم ما فيها , ولا معنى هذا الكلام. وجاءوا بدفاتر للحلاج فيها أن الإنسان إذا أراد الحج فإنه يكفيه أن يعمد إلى بيت.. وذكر القصة.

قال أبو علي بن البناء الحنبلي : كان عندنا بسوق السلاح رجل يقول: القرآن حجاب , والرسول حجاب , وليس إلا عبد ورب , فافتُتن به جماعة وتركوا العبادات , ثم اختفى مخافة القتل.

وقال الخطيب " في تاريخه " ثم انتهى إلى حامد أن الحلاج قد موَّهَ على الحشم والحجاب بالدار بأنه يحيي الموتى , وأن الجن يخدمونه , وأظهر أنه قد أحيى عدة من الطير.

وقيل : إن القُنَّائي الكاتب يعبد الحلاج ويدعو إليه , فكُبِسَ بيته , أحضروا من داره دفاتر ورقاع بخط الحلاج , فنهض حامد , فدفعه المقتدر إلى حامد , فاحتفظ به , وكان يخرجه كل يوم إلى مجلسه ليظفر له بسقطه , فكان لا يزيد على إظهار الشهادتين والتوحيد والشرائع , وقبض حامد على جماعة يعتقدون إلهية الحلاج , فاعترفوا أنهم دعاة الحلاج , وذكروا لحامد أنه قد صح عندهم أنه إله , وأنه يحيي الموتى , وكاشفوا بذلك الحلاج , فجحد وكذبهم ، وقال : أعوذ بالله أن أدعي النبوة والربوبية , إنما أنا رجل أعبد الله وأُكْثِر الصلاة والصوم وفعل الخير , ولا أعرف غير ذلك.

قال إسماعيل بن محمد بن زنجي : أخبرنا أبي قال : كان أول ما انكشف من أمر الحلاج لحامد أن شيخا يعرف بالدباس كان ممن استجاب له , ثم تبين مخرقته , ففارقه , واجتمع معه على هذه الحال أبو علي الأوارجي الكاتب , وكان قد عمل كتابا ذكر فيه مخاريق الحلاج والحيل فيها , والحلاج حينئذ مقيم عند نصر القشوري في بعض حجره , موسع عليه , مأذون لمن يدخل إليه , وكان قد استغوى القشوري , فكان يعظمه ويحدث أن علة عرضت للمقتدر في جوفه , فأدخل إليه الحلاج , فوضع يده عليها فعوفي , فقام بذلك للحلاج سوق في الدار وعند أم المقتدر , ولما انتشر كلام الدباس والأوارجي في الحلاج أُحضر إلى الوزير ابن عيسى , فأغلظ له , فحكي في ذلك الوقت أنه تقدم إلى الوزير وقال له سرا : قف حيث انتهيت ولا تزد , وإلا قلبت الأرض عليك. فتهيبه الوزير , فنقل حينئذ إلى حامد بن العباس.

وكانت بنت السمري -صاحب الحلاج- قد أُدخلت إليه , وأقامت عنده في دار الخلافة , وبعث بها إلى حامد ليسألها عن ما رأت ، فدخلت إلى حامد , وكانت عذبة العبارة , فسألها , فحكت أنها حملها أبوها إلى الحلاج , وأنها لما دخلت عليه وهب لها أشياء مثمنة , منها رَيْطَة خضراء وقال لها : زوجتك ابني سليمان , وهو أعز ولدي عليّ وهو مقيم بنيسابور , وليس يخلو أن يقع بين المرأة وزوجها خلاف , أو تنكر منه حالا , وقد أوصيته بك , فمتى جرى عليك شيء , فصومي يومك , واصعدي إلى السطح , وقومي على الرماد , واجعلي فطرك عليه مع ملح , واستقبلي ناحيتي , واذكري ما أنكرتيه ؛ فإني أسمع وأرى.

قالت : وكنت ليلة نائمة , فما أحسست به إلا وقد غشيني , فانتبهت مذعورة منكرة لذلك , فقال : إنما جئت لأوقظك للصلاة. ولما أصبحنا ومعي بنته نزل , فقالت بنته : اسجدي له. فقلت : أوَيُسجد لغير الله ؟ ! فسمع كلامي , فقال : نعم , إله في السماء وإله في الأرض.

قالت : ودعاني إليه وأدخل يده في كُمِّه وأخرجها مملوءة مسكا , فدفعه إلي وقال : هذا تراب اجعليه في طيبك.

وقال مرة : ارفعي الحصير , وخذي ما تريدين. فرفعتها , فوجدت الدنانير تحتها مفروشة ملء البيت , فبهرني ما رأيت .

ولما حصل الحلاج في يد حامد , جد في تتبع أصحابه , فأخذ منهم حيدرة , والسمري , ومحمد بن علي القنائي , وأبا المغيث الهاشمي , وابن حماد , وكُبسَ بيته , وأُخذت منه دفاتر كثيرة , وبعضها مكتوب بالذهب , مبطنة بالحرير , فقال له حامد : أما قبضت عليك بواسط فذكرت لي دفعة أنك المهدي , وذكرت مرة أنك تدعو إلى عبادة الله , فكيف ادعيت بعدي الإلهية ؟.

وكان في الكتب عجائب من مكاتباته إلى أصحابه النافذين إلى النواحي , يوصيهم بما يدعون الناس إليه , وما يأمرهم به من نقلهم من حال إلى حال , ورتبة إلى رتبة , وأن يخاطبوا كل قوم على حسب عقولهم وقدر استجابتهم وانقيادهم , وأجاب بألفاظ مرموزة , لا يعرفها غير من كتبها وكتبت إليه , وفي بعضها صورة فيها اسم الله على تعويج , وفي داخل ذلك التعويج مكتوب : علي عليه السلام .

إلى أن قال : وحضرت مجلس حامد وقد أحضر سَفَط من دار القنائي , فإذا فيه قدر جافة , وقوارير فيها شيء كالزئبق , وكِسَرٌ جافة , فعجب الوزير من تلك القدر , وجعلها في سفط مختوم , فسئل السمري , فدافع , فألحوا عليه , فذكر أنها رجيع الحلاج , وأنه يشفي , وأن الذي في القوارير بوله. فقال السمري لي: فكل من هذه الكسر , ثم انظر كيف يكون قلبك للحلاج.

ثم أحضر حامد الحلاج وقال : أيش في هذا السفط ؟ قال : ما أدري . وجاء غلام حامد الذي كان يخدم الحلاج , فأخبر أنه دخل بطبق. قال : فوجده ملء البيت من سقفه إلى أرضه , فهاله ما رأى , ورمى بالطبق من يده وحُمَّ.

قال ابن زنجي : وحملت دفاتر من دور أصحاب الحلاج , فأمرني حامد أن أقرأها والقاضي أبو عمر حاضر , والقاضي أبو الحسين بن الأشناني , فمن ذلك : أن الإنسان إذا أراد الحج أفرد في داره بيتا وطاف به أيام الموسم , ثم جمع ثلاثين يتيما , وكساهم قميصا قميصا , وعمل لهم طعاما طيبا , فأطعمهم وخدمهم وكساهم , وأعطى لكل واحد سبعة دراهم أو ثلاثة , فإذا فعل ذلك قام له ذلك مقام الحج.

فلما قرأ ذلك الفصل التفت القاضي أبو عمر إلى الحلاج , وقال له : من أين لك هذا ؟ قال : من كتاب " الإخلاص " للحسن البصري. قال : كذبت يا حلال الدم ! قد سمعنا كتاب " الإخلاص " وما فيه هذا. فلما قال أبو عمر : كذبت يا حلال الدم , قال له حامد : اكتب بهذا. فتشاغل أبو عمر بخطاب الحلاج , فألح عليه حامد , وقدم له الدواة , فكتب بإحلال دمه , وكتب بعده من حضر المجلس , فقال الحلاج : ظهري حِمًى , ودمي حرام , وما يحل لكم أن تتأولوا علي , واعتقادي الإسلام , ومذهبي السنة , فالله الله في دمي.

ولم يزل يردد هذا القول وهم يكتبون خطوطهم , ثم نهضوا , ورُدَّ الحلاج إلى الحبس , وكتب إلى المقتدر بخبر المجلس , فأبطأ الجواب يومين , فغلظ ذلك على حامد , وندم وتخوف , فكتب رقعة إلى المقتدر في ذلك ويقول : إن ما جرى في المجلس قد شاع , ومتى لم تُتبعه قتل هذا افتتن به الناس , ولم يختلف عليه اثنان.

فعاد الجواب من الغد من جهة مفلح: إذا كان القضاة قد أباحوا دمه فليحضر محمد بن عبد الصمد صاحب الشرطة , ويتقدم بتسليمه وضربه ألف سوط , فإن هلك وإلا ضُربَتْ عنقه.

فسر حامد , وأحضر صاحب الشرطة , وأقرأه ذلك , وتقدم إليه بتسليم الحلاج , فامتنع , وذكر أنه يتخوف أن يُنتزع منه , فبعث معه غلمانه حتى يُصَيِّروه إلى مجلسه , ووقع الاتفاق على أن يحضر بعد عشاء الآخرة , ومعه جماعة من أصحابه , وقوم على بغال موكفة مع سُيّاس , فيحمل على واحد منها , ويدخل في غمار القوم. وقال حامد له : إن قال لك: أُجري لك الفرات ذهبا , فلا ترفع عنه الضرب.

فلما كان بعد العشاء أتى محمد بن عبد الصمد إلى حامد , ومعه الرجال والبغال , فتقدم إلى غلمانه بالركوب معه إلى داره , وأخرج له الحلاج , فحكى الغلام : أنه لما فتح الباب عنه وأمره بالخروج , قال : من عند الوزير ؟ قال : محمد بن عبد الصمد. قال : ذهبنا والله. وأخرج , فأركب بغلا , واختلط بجملة الساسة , وركب غلمان حامد حوله حتى أوصلوه , فبات عند ابن عبد الصمد , ورجاله حول المجلس.

فلما أصبح أُخرج الحلاج إلى رحبة المجلس , وأمر الجلاد بضربه , واجتمع خلائق , فضُرب تمام ألف سوط وما تأوه , بلى لما بلغ ست مائة سوط , قال لابن عبد الصمد : ادعُ بي إليك ؛ فإن عندي نصيحة تعدل فتح قسطنطينية. فقال له محمد: قد قيل لي: إنك ستقول ما هو أكبر من هذا , وليس إلى رفع الضرب سبيل.

ثم قُطعت يده , ثم رجله , ثم حُزَّ رأسه , وأُحرقت جثته , وحضرتُ في هذا الوقت راكبا والجثة تقلب على الجمر , ونُصب الرأس يومين ببغداد , ثم حُمل إلى خراسان وطِيف به. وأقبل أصحابه يعدون أنفسهم برجوعه بعد أربعين يوما.

واتفق زيادة دجلة تلك السنة زيادة فيها فضل , فادعى أصحابه أن ذلك بسببه ؛ لأن رماده خالط الماء.

وزعم بعضهم : أن المقتول عدو للحلاج أُلقي عليه شبهه.

وادعى بعضهم أنه -في ذلك اليوم بعد قتله- رآه راكبا حمارا في طريق النهروان , وقال : لعلكم مثل هؤلاء البقر الذين ظنوا أني أنا المضروب المقتول.

وزعم بعضهم أن دابة حوِّلَتْ في صورته. وأُحضر جماعة من الوراقين , فأُحلفوا أن لا يبيعوا من كتب الحلاج شيئا ولا يشتروها .

عن فارس البغدادي قال : قُطعت أعضاء الحلاج وما تغير لونه.

وعن أبي بكر العطوفي قال : قُطعت يدا الحلاج ورجلاه وما نطق.

السلمي : سمعت محمد بن عبد الله بن شاذان : سمعت محمد بن علي الكتاني يقول : سئل الحلاج عن الصبر ، فقال : أن تُقطع يدا الرجل ورجلاه , ويسمَّر ويُصلَب على هذا الجسر. قال : ففعل به كل ذلك.

وعن أبي العباس بن عبد العزيز -رجل مجهول- قال : كنت أقرب الناس من الحلاج حين ضُرب , فكان يقول مع كل سوط : أحد أحد.

السلمي : سمعت عبد الله بن علي , سمعت عيسى القصار يقول: آخر كلمة تكلم بها الحسين بن منصور عند قتله : حسب الواحد إفراد الواحد له. فما سمع بهذه الكلمة فقير إلا رَقَّ له واستحسنها منه.

قال السلمي : وحُكي عنه أنه رُئي واقفا في الموقف , والناس في الدعاء , وهو يقول : أنزهك عما قرفك به عبادك , وأبرأ إليك مما وحدك به الموحدون.

قلت : هذا عين الزندقة ؛ فإنه تبرأ مما وحَّد الله به الموحدون الذين هم الصحابة والتابعون وسائر الأمة , فهل وحدوه -تعالى- إلا بكلمة الإخلاص التي قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : من قالها من قلبه , فقد حَرُم ماله ودمه .

وهي: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. فإذا برئ الصوفي منها , فهو ملعون زنديق , وهو صوفي الزي , والظاهر , متستر بالنسب إلى العارفين , وفي الباطن فهو من صوفية الفلاسفة أعداء الرسل , كما كان جماعة في أيام النبي -صلى الله عليه وسلم- منتسبون إلى صحبته وإلى ملته , وهم في الباطن من مردة المنافقين , قد لا يعرفهم نبي الله -صلى الله عليه وسلم- , ولا يعلم بهم.

قال الله تعالى : وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ فإذا جاز على سيد البشر أن لا يعلم ببعض المنافقين وهم معه في المدينة سنوات , فبالأولى أن يخفى حال جماعة من المنافقين الفارغين عن دين الإسلام بعده عليه السلام على العلماء من أمته , فما ينبغي لك يا فقيه أن تبادر إلى تكفير المسلم إلا ببرهان قطعي , كما لا يسوغ لك أن تعتقد العرفان والولاية فيمن قد تبرهن زَغَلُه , وانهتك باطنه وزندقته , فلا هذا ولا هذا ؛ بل العدل أن من رآه المسلمون صالحا محسنا فهو كذلك ؛ لأنهم شهداء الله في أرضه إذ الأمة لا تجتمع على ضلالة وأن من رآه المسلمون فاجرا أو منافقا أو مبطلا , فهو كذلك .

وأن من كان طائفة من الأمة تضلله , وطائفة من الأمة تثني عليه وتبجله , وطائفة ثالثة تقف فيه وتتورع من الحط عليه , فهو ممن ينبغي أن يعرض عنه , وأن يفوض أمره إلى الله , وأن يستغفر له في الجملة ؛ لأن إسلامه أصلي بيقين , وضلاله مشكوك فيه , فبهذا تستريح ويصفو قلبك من الغل للمؤمنين.

ثم اعلم أن أهل القبلة كلهم , مؤمنهم وفاسقهم , وسنيهم ومبتدعهم -سوى الصحابة- لم يجمعوا على مسلم بأنه سعيد ناج , ولم يجمعوا على مسلم بأنه شقي هالك , فهذا الصِّدِّيق فرد الأمة , قد علمت تفرقهم فيه , وكذلك عمر , وكذلك عثمان , وكذلك علي , وكذلك ابن الزبير , وكذلك الحجاج , وكذلك المأمون , وكذلك بشر المريسي , وكذلك أحمد بن حنبل , والشافعي , والبخاري , والنسائي , وهلم جرا من الأعيان في الخير والشر إلى يومك هذا , فما من إمام كامل في الخير إلا وثم أناس من جهلة المسلمين ومبتدعيهم يذمونه ويحطون عليه , وما من رأس في البدعة والتجهم والرفض إلا وله أناس ينتصرون له , ويذبون عنه , ويدينون بقوله بهوى وجهل ؛ وإنما العبرة بقول جمهور الأمة الخالين من الهوى والجهل , المتصفين بالورع والعلم .

فتدبر -يا عبد الله- نحلة الحلاج الذي هو من رءوس القرامطة , ودعاة الزندقة , وأنصف وتورع واتق ذلك , وحاسب نفسك , فإن تبرهن لك أن شمائل هذا المرء شمائل عدو للإسلام , محب للرئاسة , حريص على الظهور بباطل وبحق , فتبرأ من نحلته , وإن تبرهن لك -والعياذ بالله- أنه كان -الحالة هذه- محقا هاديا مهديا فجدِّدْ إسلامك واستغثْ بربك أن يوفقك للحق , وأن يثبت قلبك على دينه ؛ فإنما الهدى نور يقذفه الله في قلب عبده المسلم , ولا قوة إلا بالله , وإن شككت ولم تعرف حقيقته , وتبرأت مما رمي به , أرحت نفسك , ولم يسألك الله عنه أصلا.

السلمي : سمعت محمد بن أحمد بن الحسن الوراق : سمعت إبراهيم بن عبد الله القلانسي الرازي يقول : لما صُلب الحلاج -يعني في النوبة الأولى- وقفت عليه , فقال : إلهي ، أصبحت في دار الرغائب أنظر إلى العجائب ؛ إلهي ، إنك تتودد إلى من يؤذيك , فكيف لا تتودد إلى من يؤذَى فيك.

السلمي : سمعت أبا العباس الرازي يقول : كان أخي خادما للحلاج , فلما كانت الليلة التي يُقتل فيها من الغد قلت : أوصني يا سيدي. فقال : عليك نفسك , إن لم تشغلها شغلتك. فلما أُخرج كان يتبختر في قيده ويقول : نـديمي غـير منسـوب

إلـى شيء من الحَيف سـقـاني مثـل ما يشر

ب فعل الضيف بالضيف فلمــا دارت الكــأس

دعــا بالنطع والسيف كــذا من يشرب الكأس

مـع التنين في الصيف ثم قال : يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ ثم ما نطق بعد.

وله أيضا . يا نسيم الريح قولي للرشا

لـم يـزدني الورد إلا عطشا روحه روحي وروحـي فله

إن يشا شئت وإن شـئت يشا وقال أبو عمر بن حيويه : لما أُخرج الحلاج ليقتل , مضيت وزاحمت حتى رأيته , فقال لأصحابه : لا يهُولنَّكم ؛ فإني عائد إليكم بعد ثلاثين يوما. فهذه حكاية صحيحة توضح لك أن الحلاج ممخرق كذاب , حتى عند قتله. وقيل : إنه لما أُخرج للقتل أنشد : طلبـت المسـتقر بكل أرض

فلم أرَ لي بأرض مستقرا أطعـت مطامعي فاستعبدتني

ولـو أني قنعت لكنت حرا قال أبو الفرج ابن الجوزي : جمعت كتابا سميته : " القاطع بمحال المحاج بحال الحلاج ". وبلغ من أمره أنهم قالوا : إنه إله , وإنه يحيي الموتى.

قال الصولي : أول من أوقع بالحلاج الأمير أبو الحسين علي بن أحمد الراسبي , وأدخله بغداد وغلاما له على جملين قد شهرهما في سنة إحدى وثلاث مائة , وكتب معهما كتابا : إن البينة قامت عندي أن الحلاج يدعي الربوبية , ويقول بالحلول. فحُبس مدة.

قال الصولي : قيل : إنه كان في أول أمره يدعو إلى الرِّضى من آل محمد , وكان يُري الجاهل أشياء من شعبذته , فإذا وثق منه دعاه إلى أنه إله.

وقيل : إن الوزير حامدا وجد في كتبه : إذا صام الإنسان وواصل ثلاثة أيام وأفطر في رابع يوم على ورقات هِنْدَبا أغناه عن صوم رمضان , وإذا صلى في ليلة ركعتين من أول الليل إلى الغداة أغنته عن الصلاة بعد ذلك , وإذا تصدق بكذا وكذا أغناه عن الزكاة.

ذكر ابن حوقل ، قال : ظهر من فارس الحلاج ينتحل النسك والتصوف , فما زال يترقى طبقا عن طبق حتى آل به الحال إلى أن زعم : أنه من هذب في الطاعة جسمه , وشغل بالأعمال قلبه , وصبر عن اللذات , وامتنع من الشهوات يترقَّ في درج المصافاة , حتى يصفو عن البشرية طبعه , فإذا صفا حل فيه روح الله الذي كان منه إلى عيسى , فيصير مطاعا , يقول للشيء : كن , فيكون .

فكان الحلاح يتعاطى ذلك ويدعو إلى نفسه حتى استمال جماعة من الأمراء والوزراء , وملوك الجزيرة والجبال والعامة , ويقال : إن يده لما قطعت كتب الدم على الأرض : الله الله.

قلت : ما صح هذا , ويمكن أن يكون هذا من فعله بحركة زنده.

قال محمد بن علي الصوري الحافظ : سمعت إبراهيم بن محمد بن جعفر البزاز يقول : سمعت أبا محمد الياقوتي يقول : رأيت الحلاج عند الجسر على بقرة ووجهه إلى ذنبها , فسمعته يقول : ما أنا الحلاج , ألقى الحلاج شبهَهُ عليَّ وغاب. فلما أُدني من الخشبة التي يُصلب عليها , سمعته يقول : قال أبو الحسين بن سالم : جاء رجل إلى سهل بن عبد الله , وبيده محبرة وكتاب , فقال لسهل : أحببت أن أكتب شيئا ينفعني الله به. فقال : اكتب : إن استطعت أن تلقى الله وبيدك المحبرة فافعل. فقال : يا أبا محمد ، فائدة. فقال : الدنيا كلها جهل إلا ما كان علما , والعلم كله حجة إلا ما كان عملا , والعمل موقوف إلا ما كان على السنة , وتقوم السنة على التقوى.

وعن أبي محمد المرتعش قال : من رأيته يدَّعي حالا مع الله باطنة , لا يدل عليها أو يشهد لها حفظ ظاهر , فاتهمه على دينه.

قيل : إن الحلاج كتب مرة إلى أبي العباس بن عطاء : كـتبت ولم أكـتب إليك وإنما

كـتبت إلـى روحـي بغـير كتاب وذاك لأن الروح لا فرق بينها

وبيـن محبيهــا بفصـل خطـاب فكل كتاب صـادر منـك وارد

إليــك بـلا رد الجـواب جـوابي وقد ذكر الحلاج أبو سعيد النقاش في " طبقات الصوفية " له , فقال : منهم من نسبه إلى الزندقة , ومنهم من نسبه إلى السحر والشعوذة.

وقفت على تأليف أبي عبد الله بن باكويه الشيرازي في حال الحلاج فقال : حدثني حمد بن الحلاج : أن نصرا القشوري لما اعتُقِل أبي استأذن المقتدر أن يبني له بيتا في الحبس , فبنى له دارا صغيرة بجنب الحبس , وسدوا باب الدار , وعملوا حواليه سورا , وفتحوا بابه إلى الحبس , وكان الناس يدخلون عليه سنة , ثم مُنِعوا , فبقي خمسة أشهر لا يدخل عليه أحد إلا مرة رأيت أبا العباس بن عطاء دخل عليه بالحيلة , ورأيت مرة أبا عبد الله بن خفيف وأنا برّا عند والدي , ثم حبسوني معه شهرين ولي يومئذ ثمانية عشر عاما.

فلما كانت الليلة التي أُخرج من صبيحتها , قام فصلى ركعات , ثم لم يزل يقول : مكر مكر , إلى أن مضى أكثر الليل , ثم سكت طويلا , ثم قال : حق حق , ثم قام قائما وتغطى بإزار , واتزر بمئزر , ومد يديه نحو القبلة , وأخذ في المناجاة يقول : نحن شواهدك نلوذ بسَنَا عزتك لتبدي ما شئت من مشيئتك , أنت الذي في السماء إله وفي الأرض إله , يا مدهر الدهور , ومصور الصور , يا من ذلت له الجواهر , وسجدت له الأعراض , وانعقدت بأمره الأجسام , وتصورت عنده الأحكام , يا من تجلى لما شاء كما شاء كيف شاء , مثل التجلي في المشيئة لأحسن الصورة.

وفي نسخة : مثل تجليك في مشيئتك كأحسن الصورة ، والصورة هي الروح الناطقة التي أفردته بالعلم والبيان والقدرة. ثم أوعزت إلي شاهدك لأني في ذاتك الهوي لما أردت بدايتي , وأبديت حقائق علومي ومعجزاتي , صاعدا في معارجي إلى عروش أوليائي عند القول من برياتي. إني أحتضر وأقتل وأُصلب وأُحرق , وأُحمل على السافيات الذاريات , وإن الذرة من ينجوج مظانِّ هيكل متجلياتي لأعظم من الراسيات.

ثم أنشأ يقول: أَنْعـى إليـك نفوسـا طـاح شاهدها

فيما وراء الغيب أو في شاهد القدم أنعى إليـك علومـا طالمـا هطلـت

سحائب الوحـي فيهـا أبحر الحكم أنعـى إليـك لسـان الحـق مُذْ زمن

أودى وتذكاره كالوهم فـي العـدم أنـعى إليــك بيانــا تستسـر لـه

أقوال كــل فصيـح مِقْـوَل فهـم أنعـى إليـك إشـارات العقـول معـا

لــم يَبْـقَ منهـن إلا دارس العلم أنعى -وحــقك- أحلامــا لطائفـة

كانت مطاياهم مـن مكمـد الكـظم مضى الجــميع فلا عيـن ولا أثـر

مضي عـاد وفقــدان الأولـى إرم وخلفوا معشــرا يجــدون لبسـتهم

أعمى مـن البهم با أعمى من النعم ثم سكت , فقال له خادمه أحمد بن فاتك : أوصني. قال : هي نفسك , إن لم تشغلها شغلتك. ثم أخرج وقطعت يداه ورجلاه بعد أن ضرب خمس مائة سوط , ثم صلب , فسمعته وهو على الجذع يناجي ويقول : أصبحت في دار الرغائب أنظر إلى العجائب.

فهكذا هذا السياق أنه صلب قبل قطع رأسه. فلعل ذلك فعل بعض نهار.

قال : ثم رأيت الشبلي وقد تقدم تحت الجذع وصاح بأعلى صوته يقول : أولم ننهك عن العالمين. ثم قال له : ما التصوف ؟ قال : أهون مرقاة فيه ما ترى. قال : ما أعلاه ؟ قال : ليس لك إليه سبيل , ولكن سترى غدا ما يجري ؛ فإن في الغيب ما شهدته وغاب عنك.

فلما كان العشي جاء الإذن من الخليفة أن تُضْرَب رقبته , فقالوا : قد أمسينا ويؤخر إلى الغداة. فلما أصبحنا أُنزل وقدم لتضرب عنقه , فسمعته يصيح بأعلى صوته : حسب الواحد إفراد الواحد له. ثم تلا : يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا .

فهذا آخر كلامه , ثم ضربت رقبته , ولُفَّ في بارية , وصُبَّ عليه النفط , وأحرق , وحمل رماده إلى رأس المنارة لتسفيه الرياح. فسمعت أحمد بن فاتك تلميذ والدي يقول بعد ثلاث : قال : رأيت كأني واقف بين يدي رب العزة , فقلت : يا رب ، ما فعل الحسين بن منصور ؟ فقال : كاشفته بمعنى , فدعا الخلق إلى نفسه , فأنزلت به ما رأيت.

قال ابن باكويه : سمعت ابن خفيف يسأل : ما تعتقد في الحلاج ؟ قال : أعتقد أنه رجل من المسلمين فقط. فقيل له : قد كفَّره المشايخ وأكثر المسلمين. فقال : إن كان الذي رأيته منه في الحبس لم يكن توحيدا , فليس في الدنيا توحيد.

قلت : هذا غلط من ابن خفيف ؛ فإن الحلاج عند قتله ما زال يوحد الله ويصيح : الله الله في دمي , فأنا على الإسلام. وتبرأ مما سوى الإسلام. والزنديق فيوحد الله علانية , ولكن الزندقة في سره. والمنافقون فقد كانوا يوحدون ويصومون ويصلون علانية , والنفاق في قلوبهم , والحلاج فما كان حمارا حتى يُظهر الزندقة بإزاء ابن خفيف وأمثاله ؛ بل كان يبوح بذلك لمن استوثق من رباطه , ويمكن أن يكون تزندق في وقت , ومرق وادعى الإلهية , وعمل السحر والمخاريق الباطلة مدة , ثم لما نزل به البلاء ورأى الموت الأحمر أسلم ورجع إلى الحق , والله أعلم بسره , ولكن مقالته نبرأ إلى الله منها ؛ فإنها محض الكفر , نسأل الله العفو والعافية , فإنه يعتقد حلول البارئ -عز وجل- في بعض الأشراف , تعالى الله عن ذلك.

كان مقتل الحلاج في سنة تسع وثلاث مائة لست بقين من ذي القعدة .

قرأت بخط العلامة تاج الدين الفزاري قال : رأيت في سنة سبع وستين وست مائة كتابا فيه قصة الحلاج , منه : عن إبراهيم الحلواني قال : دخلت على الحسين بن منصور بين المغرب والعتمة , فوجدته يصلي , فجلست كأنه لم يحس بي , فسمعته يقرأ سورة البقرة , فلما ختمها , ركع وقام في الركوع طويلا , ثم قام إلى الثانية , قرأ الفاتحة وآل عمران , فلما سلم تكلم بأشياء لم أسمعها , ثم أخذ في الدعاء , ورفع صوته كأنه مأخوذ من نفسه وقال : يا إله الآلهة ، ورب الأرباب ، ويا من لا تأخذه سنة ، رد إلي نفسي لئلا يفتتن بي عبادك , يا من هو أنا وأنا هو ! ولا فرق بين إنيتي وهويتك إلا الحدث والقدم , ثم رفع رأسه ونظر إلي وضحك في وجهي ضحكات , ثم قال لي: يا أبا إسحاق ، أما ترى إلى ربي ضرب قِدَمُهُ في حَدَثي حتى استهلك حدثي في قدمه , فلم تبق لي صفة إلا صفة القدم , ونطقي من تلك الصفة , فالخلق كلهم أحداث ينطقون عن حدث , ثم إذا نطقت عن القدم ينكرون علي ويشهدون بكفري , سيسعون إلى قتلي , وهم في ذلك معذورون , وبكل ما يفعلون مأجورون.

وعن عثمان بن معاوية -قيِّم جامع الدينور- قال : بات الحسين بن منصور في هذا الجامع ومعه جماعة , فسأله واحد منهم فقال : يا شيخ ، ما تقول فيما قال فرعون ؟ قال : كلمة حق. قال : فما تقول فيما قال موسى عليه السلام ؟ قال : كلمة حق ؛ لأنهما كلمتان جرتا في الأبد كما أجريتا في الأزل.

وعن الحسين قال : الكفر والإيمان يفترقان من حيث الاسم , فأما من حيث الحقيقة فلا فرق بينهما.

عن جندب بن زاذان تلميذ الحسين قال : كتب الحسين إلي : بسم الله المتجلي عن كل شيء لمن يشاء , والسلام عليك يا ولدي , ستر الله عنك ظاهر الشريعة , وكشف لك حقيقة الكفر ؛ فإن ظاهر الشريعة كفر , وحقيقة الكفر معرفة جلية , إني أوصيك أن لا تغتر بالله , ولا تأيس منه , ولا ترغب في محبته , ولا ترضى أن تكون غير محب , ولا تقل بإثباته , ولا تمل إلى نفيه , وإياك والتوحيد , والسلام.

وعنه قال : من فرق بين الإيمان والكفر فقد كفر , ومن لم يفرق بين المؤمن والكافر فقد كفر.

وعنه قال : ما وحَّد الله غير الله. آخر ما نقلته من خط الشيخ تاج الدين.

ذكر محمد بن إسحاق النديم الحسين الحلاج وحط عليه , ثم سرد أسماء كتبه : كتاب " طاسين الأول " , كتاب " الأحرف المحدثة والأزلية " , كتاب " ظل ممدود " , كتاب " حمل النور والحياة والأرواح " , كتاب " الصهور " , كتاب " تفسير : قل هو الله أحد " , كتاب " الأبد والمأبود " , كتاب " خلق الإنسان والبيان " , كتاب " كيد الشيطان" , كتاب "سر العالم والمبعوث" , كتاب " العدل والتوحيد " , كتاب " السياسة " , كتاب " علم الفناء والبقاء " , كتاب " شخص الظلمات " , كتاب " نور النور" , كتاب " الهياكل والعالم " , كتاب "المثل الأعلى" ، كتاب "النقطة وبدو الخلق" كتاب " القيامات ".

كتاب " الكبر والعظمة " , كتاب " خزائن الخيرات " , كتاب " موائد العارفين " , كتاب " خلق خلائق القرآن " , كتاب " الصدق والإخلاص " , كتاب " التوحيد " , كتاب " النجم إذا هوى " , كتاب " الذاريات ذروا " , كتاب " هو هو " كتاب " كيف كان وكيف يكون " , كتاب " الوجود الأول " , كتاب " لا كيف " , كتاب " الكبريت الأحمر " , كتاب " الوجود الثاني " , كتاب " الكيفية والحقيقة " , وأشياء غير ذلك.

ImageChef Custom Images

ديوان الحلاج





أبي المُغيث الحُسَينِ بنِ مَنْصورِ بن مَحمى البيضاوي

244 ه ـ 309ه / 858 ـ 922 م



صنعه وأصلحه

أبو طريفٍ كامل بن مصطفى الشَّيْبي



منشورات الجمل 1997

الطبعة الأولى كولونيا ـ ألمانيا





1 ـ أعنِّي على الضنى

نظري بَدْءُ عِلَّتي            ويحَ قلبي وما جنى

يا مُعينَ الضَنَى علــــيَّ، أَعِنِّي على الضنى

[ من مجزوء الخفيف ]



2 ـ إلى مبارز من لا يراه

إلى كم أنتَ في بحرِ الخطايا       تُبارِزُ من يراك ولا تراهُ ؟

وَ سَمْتُكَ سَمتُ ذي وَرعٍ ودينٍ         وفِعلُكَ فِعلُ متَّبِعٍ هواهُ؟!

فيا من باتَ يخلو بالمعاصي              وعيْنُ اللهِ شاهدةٌ تراهُ

أتطمعُ أن تنالَ العفوَ ممَّنْ    عصَيتَ، وأنتَ لمْ تَطلبْ رضاهُ ؟

أتفرحُ بالذنوبِ وبالخطايا                 وتنساهُ ولا أحدٌ سواهُ

فَتُبْ قبلَ المماتِ وقبلَ يومٍ           يُلاقي العبدَ ما كسبتْ يداهُ





3 ـ أسلحة المحبِّ وخطةٌ لدحرِ الهجرِ !

إذا دَهَمتْكَ خيولُ البعـــــــادِ ونادى الإياسُ بقطعِ الرجا

فخذ في شمالك تُرسَ الخضــــوعِ وشُدَّ اليمينَ بسيفِ البُكا

ونفسَكَ ونفسكَ ! كن خائفاً             على حَذرٍ من كَمينِ الجَفا

فإنَّ جاءَكَ الهجرُ في ظلمَةٍ           فَسِرْ في مشاعِل نورِ الصفا

وقل للحبيب ترى ذِلَّتي ؟!                فجُدْ لي بِعَفوِكَ قبلَ اللقا

فوالحبِّ ! لا تنثني راجِعاً            عن الحبِّ إلا بِعَوضِ المُنى





4 ـ عمى الأبصار والبصائر

وأيُّ الأرضِ تخلو منكَ حتَّى  تَعَاَلوا يَطلبونك َ في السماءِ

تراهم ينظرونَ إليكَ جَهراً    وهم لا يُبصِرونَ من العَماءِ



5 ـ قِدَمُ العشق

العشقُ في أزَلِ الآزالِ مِنْ قِدَمٍ         فيه به مِنْهُ يبدو فيهِ إبداءُ

العشق لاحَدَثٌ إذ كان هوُ صفةً     من الصّفاتِ لمَنْ قَتلاهُ أحياءُ

صِفاتُهُ منْهُ فيهِ غَيرَ مُحْدِثَةٍ        وَمُحدَثُ الشيء ما مبداهُ أشياءُ

لمّا بدا البَدءُ أبدى عِشقُهُ صِفِةً            فيما بَدا فتلالا فيه لألاءُ

واللامُ بالألف المعطوفِ مؤتلِفٌ    كلاهما واحدٌ في السبْقِ معناءُ

وفي التفرُّقِ إثنانِ إذا اجتمعا          بالإفتراق هما :عبدٌ ومولاءُ

كذا الحقائق : نارُ الشوق مُلتَهبٌ    عن الحقيقةِ إن بَاتوا وإن ناؤا

ذَلُّوا بغيرِ اقتدارٍ عندما وَلِهوا         إن الأعزا إذا اشتاقوا أذلاءُ



6 ـ الإنسان والقدرْ

ما حيلةُ العبدِ والأقدارُ جاريةٌ  عليهِ في كلِّ حالٍ، أيها الرائي ؟

ألقاهُ في اليمِّ مكتوفاً وقالَ لهُ         إيَّاكَ إيَّاكَ أن تبتلَّ بالماءِ !





7 ـ دعاء لعشاق الحقِّ

لبَّيكَ لبِّيكَ يا سرِّي ونجوائي             لبَّيك لبِّيك يا قصدي ومعنائي

أدعوكَ بل أنت تدعوني إليك فهل           ناديتُ إيَّاك أم ناديتَ إيَّائي

يا عين َ عينِ وُجُودي يا مَدى هِمَمي      يا منطقي و عباراتي وإيمائي

يا كلَّ كُلِّي ويا سمعي ويا بصري        يا جملتي وتباعيضي وأجزائي

يا كلَّ كلِّي وكلُّ الكلِّ ملتبِسٌ                   وكلُّ كلِّكَ ملبوسٌ بِمعنائي

يا مَنْ به عَلِقَتْ روحي فقد تَلِفتْ        وَجْداً فَصرتُ رَهيناً تحتَ أهوائي

أبكي على شجَني من فُرقتي وطني        طَوْعاً ويُسعدني بالنوحِ أعدائي

أدنو فَيُبعدني خوفي، فيُقلقَني (1)          شوقٌ تَمكَّنَ في مَكنون أحشائي

فكيفَ أصنعُ في حبٍّ كَلِفتُ به ؟        مولايَ، قد ملَّ مِنْ سُقمي أطبائي

قالوا : تداوَ بهِ منهُ فقلتُ لهم :            ياقومُ هل يتداوى الداءُ بالداءِ؟!

حُبَّي لِمولايَ أضناني وأسقَمَني        فكيفَ أشكو إلى مولايَ مَوْلآئي؟!

إني لأَرْمُقُهُ والقلبُ يَعرفُهُ                     فما يترجِمُ عنهُ غير إيْمائي

يا ويحَ روُحيَ من روحي، فواأسفي         عليَّ مني فإني أصلُ بَلْوائي

كأنني غَرِقٌ تبدو أنامِلُهُ                   تَغَوُّثاً وهوَ في بحرِ من الماءِ

وليٍسَ يَعلَمُ ما لاقيتُ من أحدٍ            إلا الذي حلَّ مني في سُويدائي

ذاك العليمُ بما لاقيتُ مِنْ دَنَفٍ               وفي مَشيئتهِ موتي وإحيائي

أغايةَ السؤلِ والمأمولِ يا سَكني        يا عيشَ روحيَ، يا ديني ودُنيائي

قل لي، فديتُك يا سمعي ويا بصري   لِمْ ذي اللجاجة في بُعدي وإقصائي

إن كنتَ بالغيبِ عن عَيْنَيَّ مُحتجباً   فالقلبُ يرعاكَ في الإبعادِ والنائي( 2 )



1 ـ لعلَّها : فيقتلني ، أو يتلفني

2 ـ كذا في الأصل



8 ـ عاطفة المحبِّ

الصبُّ، ربِّ، محبٌّ   نوالُهُ منكَ عُجبُ ؟

عذابُهُ فيكَ عَذبٌ      وبُعدُهُ عنكَ قُربُ

وأنتَ عَندي كَروحي  بلْ أنتَ مَنها أحبُّ

وأنتَ للعينِ عينٌ        وأنتَ للقَلبِ قلبُ

حسبي مِنَ الحبَّ أني     لما تحبُّ أُحِبُّ





9 ـ تجلي الله في الإنسان

سبحانَ مَنْ أظهرَ ناسوتُه  سرَّ سنا لاهوتهِ الثاقبِ

ثمَّ بدا في خَلْقهِ ظاهراً  في صورةِ الآكل والشاربِ

حتى لقد عاينه خلقُهُ      كلحظة الحاجب بالحاجبِ





10 ـ مراسة صوفية

كَتَبتُ و لم أكتبْ إليكَ، وإنما  كتبتُ إلى روحي بغيرِ كتابِ

وذلك أن الرُّوح لا فرق بينها   وبين مُحبِّيها بفَصلِ خطابِ

وكلُّ كتابٍ صادرٍ منك واردٍ  إليكَ، بلا ردَّ الجوابِ، جَوابي







11 ـ ثنائيات

لِلعِلمِ أهلٌ وللإيمانِ ترتيبُ                       وللعلومِ وأهليها تَجاريبُ

والعلمُ علمانِ : مَطبوعٌ ومُكتَسَبٌ      والبحرُ بحرانِ : مَركوبٌ ومَرهوبُ

والدهرُ يومانِ : مذمومٌ ومُمْتَدَحٌ          والناسُ إثنان : مَمنوحٌ ومَسْلوبُ

فاسمعْ بقلبِكَ ما يأتيكَ عنْ ثِقَةٍ            وانظرْ بفَهْمِكَ، فالتَّمييزُ مَوْهوبُ

إني أرتقيتُ إلى طَودٍ بِلا قَدَمٍ               لَهُ مَراقٍ علىغيري مصاعيبُ

وخُضتُ بَحراً ولَمْ تَرْسُبْ به قدمي     خاضَتْهُ روحي وقلبي مِنْهُ مَرغوبُ

حَصباؤُهُ جَوهَرٌ لَمْ تَدْنُ مِنْهُ يَدٌ                     لكنّهُ بيدِ الإفهامِ مَنْهوبُ

شَرِبتُ من مائهِ رِيّاً بغير فَمٍ              والماءُ مُذ كانَ بالأفواهِ مَشروبُ

لأنّ روحي قديماً فيه قَدْ عَطِشَتْ          والجسمُ ما مَسَّهُ من قَبْلُ تركيبُ

إني يتيمٌ ولي آبٌ ألوذُ به                 قلبي لغيبته، ما عِشتُ، مكروبُ

أعمى بصيرٌ، وإني أبلهٌ فطِنٌ          ولي كلامٌ ـ إذا ما شئتُ ـ مقلوبُ

وفتيةٍ عَرَفوا ما قد عَرفتُ، فَهُمْ    صَحبي ومن يَحظَ بالخيراتِ مصحوبُ

تعارفتْ في قديم الذَّرِّ أنفسُهُم             فأشرقت شمسُهُم والدَّهرُ غِربيبُ





12 ـ شمس القلوب

طَلَعَتْ شمسُ مَنْ أُحِبُّ بِليلٍ      فاستنارتْ فما لها من غروبْ

إن شمس النهارِ تغربُ بالليـــل، وشمس القلوب ليس تغيبْ

من أحبَّ الحبيبَ طَارَ إليهِ             اشتياقاً إلى لِقاء الحبيبْ



13 ـ الزاهد الراغب

كفى حَزَناً أني أُناديكَ دائباً               كأني بعيدٌ أو كأنَّكَ غائبُ

وأطلبُ منكَ الفضلَ من غير رغبةٍ  فلم أرَ مثلي زاهداً وهو راغبُ





14 ـ الإفاقة من غلبةِ الحال

أُقتلوني يا ثقاتي     إنَّ في قتلي حياتي

ومماتي في حياتي     وحياتي في مماتي

أنا عندي محو ذاتي   من أجلِّ المَكْرُماتِ

و بقائي في صفاتي        من قبيحِ السيِّئاتِ

سئمت روحي حياتي    في الرسومِ البالياتِ

فاقتلوني واحرقوني          بِعظَلِّي الفانياتِ

ثم مرُّوا برُفاتي          في القبورِ الدارساتِ

تجدوا سرَّ حبيبي         في طوايا الدَّارساتِ

إنني شيخٌ كبيرٌ             في عُلُوِّ الدَّارِجاتِ

ثم إني صِرْتُ طِفلاً    في حُجورِ المُرْضِعاتِ

ساكناً في لَحْدِ قبرٍ          في أراضٍ سَبِخاتِ

وَلَدَتْ أمي أباها ‍!           إنَّ ذا من عَجَباتي

فَبَناتي ـ بعدَ أن كــــنَّ بناتي ـ أخَواتي

ليسَ من فِعلِ زَمانٍ         لا، ولا فِعلِ الزُّناةِ

فاجمَعِ الأجزاءَ جمعاً         من جسومٍ نيَّراتِ

من هَواءٍ ثُمَّ نارٍ              ثُمَّ من ماءٍ فُراتِ

فازْرَعِ الكُلَّ بأرضٍ          تُرْبُها تُرْبُ مَواتِ

وتعاهدْها بسقيٍ             من كؤوسٍ دائراتِ

من جَوارٍ ساقياتٍ             وسواقٍ جارياتِ

فإذا أتممتُ سَبعاً               أنبتتْ كلَّ نباتِ





15 ـ الكيف منه معروف والغيبُ هو المجهول

سرُّ السرائرِ مطويٌّ بإثباتِ        من جانبِ الأفقِ من نورٍ بطيَّاتِ

فكيفَ، والكيفُ معروفٌ بظاهرهِ ؟       فالغيبُ باطنُهُ للذاتِ بالذاتِ

تاه الخلائقُ في عَمياءَ مظلمةٍ         نحو السماء يُناجونَ السمواتِ

والرَّبُّ بينهم في كُلِّ منقَلَبٍ             مُحِلُّ حالاتِهم في كُلِّ ساعاتِ

وما خََلَوا مِنهُ طَرْفَ العينِ، لو عَلِموا   وما خلا مِنْهُمُ في كُلِّ أوقاتِ



16 ـ وصف موعد حبِّ صوفي

لي حبيبٌ أزورُ في الخلواتِ      حاضرٌ غائبٌ عن اللحظاتِ

ما تراني أصغي إليه بسري     كي أعي ما يقولُ من كلماتِ ؟

كَلِماتٍ منْ غيرِ شَكلٍ ولا ونُطـــقٍ ولا مثلِ نَغمةِ الأصواتِ

فكأني مُخاطَبٌ كُنْتُ إيا             هُ على خاطري بذاتي لذاتي

حاضرٌ غائبٌ قريبٌ بعيدٌ          وهوَ لم ْ تَحوِهِ رسومُ الصفاتِ

هوَ أدنى من الضميرِ إلى الوهــمِ وأخفى من لائحِ الخطراتِ



17 ـ محاورة قلبية مع الحق

رأيتُ رَبّي بعينِ قلبي   فقُلتُ : مَنْ أنتَ ؟ قال : أنتَ

فليس للأينِ مِنْكَ أينٌ           وليسَ أينٌ بحيثُ أنتَ

أنت الذي حُزتَ كُلَّ أينٍ   بنحو ( لا أينَ ) فأينَ أنتَ

وليسَ للوهمِ مِنْكَ وَهمٌ          فيعلمُ الوَهمُ أينَ أنتَ

وجُزْتُ حدَّ الدُّنوِّ حَتّى         لم يَعْلَمِ الأينُ أينَ أنتَ

ففي بقائي ولا بقائي          وفي فنائي وَجَدْتَ أنتَ

في محو إسمي وَرَسمِ جسمي سألتُ عَنّي فقلتُ : أنتَ

أشار سرّي إليكَ حتَى         فَنيتُ عَنّي فقلتُ : أنتَ

وغابَ عَنّي حفيظُ قَلبي         عَرَفتُ سرّي فأينَ أنتَ

أنت حياتي وسرُّ قلبي          فحيثما كنتُ كنتَ أنتَ

أحَطتُ علماً بكلِّ شيءٍ           فكلُّ شيءٍ أراهُ أنتَ

فَمُنَّ بالعَفوِ يا إلهي            فليسَ أرجو سَواكَ أنتَ





18 ـ العشق موتٌ وحياة

واللهِ، لو حَلَفَ العُشَّاقُ أنَّهُمُ        مَوتى من الحبِّ أو قَتْلى لما حَنَثوا

قومٌ إذا هُجِروا مِنْ بَعْدِ ما وُصِلُوا   ماتوا، وإنْ عادَ وَصلٌ بَعْدَهُ بُعِثوا

ترى المحبينَ صَرعى في ديارِهُمُ   كفتيةِ الكَهْفِ : لا يَدرونَ كَمْ لَبَثوا



19 ـ إيمان خالص

كَفَرتُ بدينِ الله والكُفرُ واجِبٌ    عليَّ وعند المسلمين قبيحُ





20 ـ القرب والبعد واحد

فما ليَ بُعْدٌ بَعدَ بُعِدِكَ بعدما                    تيقَّنتُ أن القربَ والبُعدُ واحدُ

وإني ـ وإن أُهجِرتُ ـ فالهجرُ صاحبي   وكيفَ يصِحُّ الهجرُ والحبُّ واحدُ

لك الحمدُ في التوفيق في بعضِ خالصٍ            لعبدٍ زكيٍّ ما لغيركَ ساجدُ



21 ـ لا تلمني بل أجرني

لا تَلُمني، فاللومُ مني بَعيدُ              وأجرْ، سيدي، فإني وحيدُ

إنَّ في الوعدِ : وعدِكَ الحقِّ، حقّاً   إنَّ في البدء : بَدءَ أمري شديدُ

مَنْ أرادَ الكَتابَ هذا خَطابي           فاقرؤوا واعلموا بأني شهيدُ



22 ـ أنا أنتَ

قدْ تَصَبَّرْتُ، وَهلْ يصبِـــرُ قلبي عن فُؤادي ؟

ما زَجَتْ روحُكَ روحي     في دُنوّي وبعادي

فأنا أنتَ كما أنَّـــــــكَ أُنسي ومُرادي



23 ـ انفراجُ الروحِ بالحبيب

أنتم مَلَكتُمْ فُؤادي   فَهِمتُ في كلِّ وادِي

ردُّوا عليَّ فؤادي    فقدْ عَدِمتُ رُقادي

أنا غريبٌ وَحيدٌ    بكم يطولُ انفرادي



24 ـ العبودية شرف الإنسان

تأمُّلُ الوجْدِ وَجدُ        والفَقْدُ في الوَجْدِ فَقْدُ

والبُعْدُ لي مِنكَ قُربٌ     والقُربُ لي مِنكَ بُعْدُ

وكيف يَثبُتُ ثانٍ          وأنتَ، يا فَردُ، فَردُ

فذاكَ قلبُ معانٍ            وليس من ذاكَ بُدُّ

والشِّرْكُ إثباتُ غَيْرٍ     والشِّرْكُ لا شَكَّ جَحْدُ

فجاءَ من ذا [ كَ     أنّي ] بوصفِ غيرٍ أعدُّ

أُعِدُّ في الناسِ مولىً           لأنَني فيهِ عَبْدُ



25 ـ مصباحُ التَّجلّي

عَقدُ النبوّةِ مُصباحٌ منَ النورِ       معلَّقُ الوحيِ في مِشكاةِ تأمُورِ

بالله ينفَخُ نفخَ الروحِ في خَلَدي   لخاطِري نفخَ إسرافيلَ في الصُورِ

إذا تجلّى لروحي أن يُكلِّمَني    رأيتُ في غَيْبَتي مُوسى على الطُّورِ





26 ـ للعقلِ سمع وبصر

لأنوارِ نورِ النورِ في الخلْقِ أنوارُ    وللسِّرِّ في سِرِّ المُسِرِّينَ أسرارُ

وللكونِ في الأكوانِ كونٌ مُكوَّنٌ         يُكِنُّ لهُ قلبي ويُهدي ويَختارُ

تأمَّلْ بعينِ العَقْلِ ما أنا واصفٌ         فللعقلِ أسماعٌ وعاةٌ وأبصارُ



27 ـ مزاح الحلاج

دلالٌ يا محمَّدُ مُستعارُ ؟         دلالٌ بعدَ أن شابَ العِذارُ ؟

ملَكتَ ـ وحرمةِ الخلواتِ ـ قلباً لعِبتَ بهِ وقَرَّ بهِ القرارُ

فلا عينٌ يُؤرقها اشتياقٌ            ولا قلبٌ يُقلقِلُهُ ادِّكارُ

نَزِلتَ بمَنزِلِ الأعداءِ مني     وبنتَ، فلا تزورُ ولا تزارُ

[ كما ذَهبَ الحمارُ بأمِّ عمروٍ فلا رجِعتْ ولا رجِع الحمارُ ]





28 ـ تُراك ترثي للعاشق ؟

يا موضِعَ الناظِرِ من ناظري   ويا مكانَ السرِّ من خاطري

يا جُملةَ الكلِّ التي كلٌُّها       أحبُّ من بَعضي ومن سائري

تُراكَ ترثي للذي قلبُهُ             مُعلَّقٌ في مِخْلَبيْ طائرِ ؟

مدلَّهٌ حَيرانُ مُستوحِشٌ             يَهرِبُ من قَفرٍ إلى آخرِ

يَسري وما يدري وأسرارُهُ      تسري كلَمحِ البارقِ النائرِ

كسرعة الوهم لمَنْ وَ همُهُ       على دقيقِ الغامضِ الغائرِ

في لُجِّ بحر الفكر تجري به        لطائفٌ من قُدرَةِ القادِرِ



 29 ـ بلوغ الصبِ الكمال من الهوى كفر !

إذا بلَغَ الصبُّ الكمالَ من الهوى وغابَ عن المَذكورِ في سطوةِ الذكرِ

يُشاهِدُ حَقاً حينَ يَشهَدُهُ الهوى           بأنَّ كمالَ العاشقينَ منَ الكفرِ



30 ـ المواجيدُ والأحوال

مواجيدُ حقٍّ أوجَدَ الحقُّ كُلَّها   وإنْ عَجَزَتْ عنها فُهومُ الأكابرِ

وما الوجْدُ إلا خَطرَةٌ ثُمَّ نَظرةٌ      تُنَشِّي لَهيباً بينَ تلك السَّرائرِ

إذا سكن الحقُّ السريرةَ ضُوعِفَتْ   ثلاثةَ أحْوالٍ، لأهلِ البصائرِ

فحالٌ يُبيدُ السرَّ عن كُنهِ وَصفِهِ   ويُحضِرُهُ للوَجْدِ في حالِ حائرِ

وحالٌ بهِ زُمَّتْ ذُرا السِّرِّ فانثَنَتْ    إلى مَنْظَرٍ أفناهُ عن كُلِّ ناظِرِ



31 ـ الذكرُ واسطةٌ لا غاية

أنتَ المُولِّهُ لي لا الذكرُ ولَّهني    حاشا لقلبيَ أن يَعلو بهِ ذِكْري

الذكرُ واسطةٌ تُخفيكَ عن نظري  إذا تَوَشَّحَهُ من خاطري فِكري



32 ـ كيف تختفي عن الأنظار !

يا طالما غبنا عن أشباحِ النَظرْ   بنقطةٍ يحكي ضياؤها القمرْ

من سِمسِمٍ وشيْرَجٍ وأحرُفٍ         وياسمينٍ في جبينٍ سُطِرْ

فامشوا ونَمشي ونَرى أشخاصَكم       وأنتم لا تَرَونَّا يا دُبَرْ ‍‍



33 ـ ( الحبّ الذي يصير عشقاً )

وَ حُرْمَةُ الودِّ الذي لم يكنْ   يَطْمَعُ في إفسادِهِ الدَّهرُ

ما نالني عند هجوم ِالبلا     بأسٌ ولا مسَّني الضُّرُّ

ما قُدَّ لي عُضوٌ ولا مِفصَلٌ      إلا وفيه لكمُ ذكرُ



34 ـ أنواع الحب

الحبُّ، مادامَ مكتوماً، على خَطرٍ          وغايةُ الأمنِ أن تَدنو منَ الحَذَرِ

وأطيبُ الحبِّ ما نمَّ الحديثُ بهِ          كالنارِ لا تأتِِ نفعاً وهي في الحجرِ

من بعدِ ما حضرَ السجَّانُ واجتمــع الأعوانُ واختطَّ اسمي صاحبُ الخبرِ

أرجو لنفسي براءً من محبَّتكم ؟!      إذن تبرَّأتُ من سمعي ومِنْ بصَري



35 ـ الحضور الدائم

غبتَ وما غِبتَ عن ضميري   فمازَجتْ تَرْحَتي سُروري

واتَّصلَ الوَصلُ بافتِراقٍ       فصارَ في غَيْبَتي حُضوري

فأنتَ في سِرَّ غَيبِ هَمّي    أخْفَى من الوهمِ في ضميري

تُونِسُني بالنّهارِ حَقّاً           وأنتَ عنْدَ الدُّجى سميري



36 ـ خلع العِذار

يا شمسُ، يا بدرُ، يا نهارُ    أنتَ لنا جَنَّةٌ ونارُ

تجنُّبُ الإثمِ فيكَ إثمٌ     وَخيِفةُ العارِ فيكَ عارُ

يَخلعُ فيكَ العِذارَ قومٌ    فكيفَ من لا له عذارُ



36 ـ خلعِ العذار

يا شمسُ، يا بدرُ، يا نَهارُ    أنتَ لَنا جَنَّةٌ ونارُ

تَجنُّبُ الإثمِ فيكَ إثمٌ   وَخِيفةُ العَارِ فيكَ عارُ

يخلَعُ فيكَ العِذارُ قومٌ   فكيف من لا لَهُ عِذارُ



37 ـ الله

أحرفٌ أربعٌ بها هام قلبي      وتلاشت بها همومي وفكري

ألفٌ تألَفُ الخلائقَ بالصَّفـــحِ، ولامٌ على الملامةِ تجري

ثم لامٌ زيادةٌ في المعاني           ثمُّ هاءٌ بها أَهيمُ وأدرِي



38 ـ بالنبأ خبير

حقيقةُ الحقِّ تستَنيرُ     صارخةً ( بالنبا خبيرُ

حقيقةٌ فيه قد تجلّتْ   مطلَبُ من رامَها عَسيرُ



39 ـ هُيِّئتُ للكدَرِ

وما وجدْتُ لِقلبي راحةً أبداً               وكيفَ ذاكَ، وقدْ هُيِّئتُ للكدَرِ

لقد ركبتُ على التغْريرِ، واعجباً      ممنْ يُريدُ النجا في المَسلَكِ الخَطِرِ

كأنني بينَ أمواجٍ تُقلِّبُني                         مُقَلَّباً بينَ إصعادٍ وَمُنْحَدَرِ

الحزنُ في مُهجتي والنارُ في كبدي   والدمعُ يشهَدُ لي فاستشهدوا بصري





40 ـ عقوبة البطر

قد كنتُ في نِعمَةِ الهوى بَطِراً    فأدْركتني عُقوبةُ البطرِ





41 ـ الجمعُ والفرقُ

الجمعُ أفقدَهُم ـ من حيثُ هُمْ ـ قِدما ً  والفرقُ أوجدَهُمْ حِيناً بلا أَثرِ

فاتَتْ نفوسَهُمُ، والفوتُ عندهمُ          في شاهدٍ جُمِعوا فيه عن البشرِ

وجمعُهُمْ عن نعوتِ الرسمِ مَحوَهُمُ        عمَّا يُؤثِّرُهُ التلوينُ في الغِيَرِ

   والعينُ حالٌ تلاشتْ في قَديمِهِمُ  عن شاهد الجمعِ إضماراًُ بلا صُوَرِ

حتَّى توافى لهم في الفرق ما عُطِفَتْ  عليهِمُ من علومِ الوَقتِ في الحضرِ

فالجمعُ غَيبَتُهمْ والفرقُ حضرتُهمْ          والوجدُ والفقدُ في هذين بالنظرِ





42 ـ الوجد

أبدى الحجابَ فَذَلَّ في سُلطانهِ  عِزُّ الرسومِ وكلُّ معنى يَخطُرُ

هيهاتَ يُدرَكُ ما الوجودُ وإنما  لهبُ التواجُدِ رَمزُ عَجزٍ يُقهَرُ

لا الوجدُ يُدرَكُ غيرَ رسمٍ داثِرٍ والوجدُ يَدثُرُ حينَ يبدو المنظرُ  

قد كنتُ أطربُ للوجودِ مُروَّعاً  طوراً يُغيِّبُني وطوراً أُحْضَرُ

أفنى الوجودَ بشاهدٍ مَشهودُهُ     أفنى الوجودَ وكلَّ معنىً يُذكَرُ



43 ـ في السُّكر

كفاكَ بإنَّ السُّكرَ أوجَدَ كُربَتي        فكيفَ بحالِ السُّكرِ، والسُّكرُ أجدَرُ

فحالاكَ لي حالان : صحوٌ وسكرةٌ   فلا زلتُ في حاليَّ أصحو وأسكرُ



44 ـ نُطقُ السرائر

سرائرُ سرّي تَرجُمانٌ إلى سِرّي          إذا ما التقى سِرّي وسِرُّكَ في السرِّ

وما [ أمرُ ] سِرِّ السرِّ مني، وإنما              أهيمُ بسرِّ السرِّ منهُ إلى سرّي

وما أمرُ أمرِ الأمرِ منّي وإنما          أُمرتُ بأمرِ الأمرِ [ لمّا ] قضَى أمري

وما [ أمرُ ] صبرِ الصبرِ منّي وإنّما   أُمرْتُ بصَبرِ الصَّبرِ إذ عزَّني صبري



45 ـ الغيرةُ على الحق

لو شِئتُ كَشَّفتُ أسراري باسراري    وبُحتُ بالوجدِ في سرِّي وإضماري

لكنْ أغارُ على مولايَ يَعرِفهُ                    من ليسَ يَعرِفهُ إلا بإنكارِ

فمن إلهي إشاراتي وإن كَثُرتْ             في الخَلقِ ما بين إيرادٍ وإصدارِ

ما لاحَ نُورُكَ لي يوماً لأُثْبِتَهُ                      إلا تنكَّرتُ منهُ أيَّ إنكارِ

ولا ذكرتُكَ إلا تِهتُ من طربٍ               حتَّى أمزِّقَ أحشائي وأطماري



46 ـ الإشارة والعبارة

كَتَبْتُ إليه بفَهمِ الإشارهْ   وفي الأنسِ فتَّشتُ نطقَ العِبارَهْ

كِتاباً له منه عنه إليه    يُتَرْجِمُ عن غيبِ علم السّتارهْ

بواوِ الوصالِ ودالِ الدلالِ        وحاء الحياءِ وطاء الطَّهارهْ

واوِ الوفاءِ وصادِ الصَّفاءِ             ولام وهاء لَعُمرٍ مَدارَهْ

على سرِّ مكنونِ وجدِ الفؤادِ      وخاءِ الخفاءِ وشينِ الإشارَهْ

وللحقِّ في الخلقِ حقٌّ حقيقٌ        بحقًّ إذا حُقَّ حَقُّ الزيارَهْ

بهم لا بهم، إذ همُ لا هُمُ       ولا غيرهُمْ في سُمُوِّ السَّرارَهْ

فكلٌّ بكلّ، جميعُ الجميعِ         من الكُلِّ بالكُلِّ حرفُ نهارَهْ

هو الطينُ والنّارُ والنُورُ إذ      يعُودُ الجَوابُ بعَقْبِ العِبارهْ

ويبقى الذي كانَ قبلَ المكان   محيطاً على الكُلِّ بالعِلمِ دارَهْ

ويحشُرُ أعداءَهُ عاجلاً        من الجنِّ والإنسِ في حَرِّ نارِهْ

ويُسكِنُ أحبابَهُ قُربَهُ            بطيبِ النعيمِ وحسنِ النَّظارَهْ

وهُوْ هوَ بَدءٌ لبدءِ البَدايا   وهُو هُوَ دَهرُ [ دهورِ ] الدَّهارَهْ



47 ـ ثلاثيات في عبارات الصوفيّة وغاية التصوف

( سُكوتٌ ثُمَّ صَمتٌ ثُمَّ خَرْسُ            وعِلْمٌ ثُمَّ وَجْدٌ ثُمَّ رَمْسُ

و طينٌ ثُمَّ نارٌ ثُمَّ نورٌ                    وبَرْدٌ ثُمَّ ظِلٌّ ثُمَّ شمسُ

وحَزْنٌ ثُمَّ سَهلٌ ثُمَّ قَفرٌ                    ونهرٌ ثُمَّ بَحرٌ ثُمَّ يبسُ

وسُكرٌ ثُمَّ صحوٌ ثُمَّ شوقٌ               وقُربٌ ثُمَّ وَصلٌ ثُمَّ أُنسُ

وفيضٌ ثُمَّ بَسطٌ ثُمَّ مَحوٌ                  وفَرقٌ ثُمَّ جَمعٌ ثُمَّ طَمْسُ )

عِباراتٌ لأقوام تساوت                   لديهم هذه الدنيا وفَلْسُ

وأصواتُ وراءَ البابِ، لكنْ    عِباراتُ الورى في القُربِ هَمسُ

وآخرُ ما يؤولُ إليهِ عبدٌ              إذا بلغَ المَدى، حَظٌّ ونفسُ

لأنَّ الخلقَ خُدَّامُ الأماني          وحقُّ الحقِّ في التقديسِ قُدسُ



48 ـ ( لماذا رفض إبليس السجودَ لآدم )

جُحودي لكَ تقديسُ    وظَنّي فيكَ تَهويسُ

وقدْ حيَّرَني حبٌّ     وطرفٌ فيهِ تقويسُ

وقد دلَّ دليلُ الحــبََّ أن القُربَ تلبيسُ

و[  ] أدمٌ إلاك     ومن في البينِ إبليسُ







49 ـ عذاب النفس في سجن الجسد

حَوَيتُ بكُلَّي كُلَّ كُلِّكَ يا قدسي      تُكاشِفُني حتَّى كأنَّكَ في نفسي

أُقلِّبُ قلبي في سواكَ فلا أرى   سوى وحشَتي منهُ وأنتَ بهِ أُنْسي

فها أنا في حبسِ الحياةِ مُمَنَّعٌ  من الأنسِ فاقبِضني إليكَ من الحبسِ



50 ـ عقوبة إفشاء السر

من ساررَوه فأبدى كُلَّ ما سَتَروا    ولَمْ يُراعِ اتَّصالاً كان غشَّاشا

إذا النفوس أذاعت سرَّ ما علِمَتْ     فَكُلُّ ما حمَلَتْ من عَقْلِها حاشا

مَنْ لم يَصُنْ سرَّ مولاهُ وسيَّدِهِ      لم يأمَنوهُ على الأسرارِ ما عاشا

وعاقبوه على ما كانَ من زللٍ          وأبدلوهُ مكانَ الإنسِ إيحاشا

وجانبوه فَلَمْ يصلُحْ لقرْبِهُمُ             لمّا رأوهُ على الأسرارِ نبَّاشا

من أطلعوهُ على سرٍّ فنمَّ به         فذاكَ مثلي بينَ الناسِ  قد طاشا

همْ أهلُ سرٍّ وللأسرارِ قدْ خُلِقوا   لا يَصبرونَ على من كانَ فحّاشا

لا يقبلون مُذيعاً في مجالسِهم         ولا يُحبُّونَ ستراً كان وشواشا

لا يصطفونَ مذيعاً بعضَ سرِّهمُ        حاشا جلالُهُمُ من ذلكم حاشا

فكنْ لَهُمْ وبهم في كُلِّ نائبةٍ             إليهمُ ما بقيتَ الدهرَ هشَّاشا



51 ـ عبارات كيمياوية

نَسماتُ الريحِ قولي للرَّشا           لمٍ يزِدني الوِردُ إلا عطشا

لي حبيبٌ حبُّهُ وسطَ الحشا       إن يشأ يمشي على خدي مشى

روحُهُ روحي وروحي روحُهُ       إن يشأ شئتُ وإن شئتُ يَشا





52 ـ الشعور بالقبض في أوجِ البسطِ

عَجِبتُ لِكلِّي كيفَ يحملهُ بَعضي       ومن ثِقلِ بَعضي ليسَ تَحملُني أرضي ؟

لئن كان في بسطٍ مِنَ الأرضِ مضجَعٌ     فقلبي على بَسطٍ منَ الخلقِ في قبضِ





53 ـ سندبادُ الهوى

مازلتُ أطفو في بحارِ الهوى   يَرفَعُني الموجُ وأنحطُّ

فتارةً يرفَعُني مَوجُها              وتارةً أهوي وأنْغَطُّ

حتى إذا صيَّرني في الهوى       إلى مَكانٍ ما لهُ شطُّ

ناديتُ : يا من لمْ أبُح باسمه   ولم أخُنْهُ في الهوى قطُّ

تقيكَ نفسي السوءَ من حاكمٍ    ( ماكان هذا بيننا الشرطُ )





54 ـ الملاء الكامل

مكانك من قلبي هو القلبُ كلُّهُ          فليسَ لشيءٍ فيه غيرُكَ موضعُ

وحطَّتك روحي بين جلدي وأعظمي  فكيفَ تراني ـ إن فقدتك ـ أصنعُ  ؟





55 ـ كلِّي قلوبٌ

إذا ذكرتُكَ كادَ الشوقُ يُتْلِفُني  وغفلتي عنك أحزانٌ وأوجاعُ

وصارَ كلِّي قلوباً فيك واعِيَةً      للسُقمِ فيها وللآلام إسراعُ

فإن نطقتُ فكلِّي فيكَ ألسنَةٌ   وإن سمِعتُ فكلًّي فيك أسماعُ



56 ـ ذكره ذكري

ذكرهُ ذكري وذكري ذكرُهُ   هل يكون الذاكران إلا معا ؟!



57 ـ شرط المعارف

شرطُ المعارفِ محوُ الكُلِّ منكَ إذا    بدا المريدُ بلحظٍ غيرِ مطَّلِعِ



58 ـ القرب

لمَّا اجتباني وأدناني وشرَّفني  والكلَّ بالكلِّ أوصاني وعرَّفني

لم يُبقِ في القلبِ والأحشاءِ جارحةً  إلا وأعرفُه فيها و يعرفُني



59 ـ إلف الأرواح لله

وجوده بي، ووجودي به        ووصفُهُ فهو له واصِفُ

لولاهُ لمْ أعرفْ رشادي ولو……لايَ لما كان له عارفُ

فكلُّ معنىً فيه معنىً له         فقلْ لمنْ خالفَني : خالِفوا

ليس سوى الرحمن [ يا قومنا ]    شيءٌ له أروحُنا تألفُ







60 ـ هدايةُ الضال

 يا جاهلاً مسلَكَ طُرقِ الهُدى    فما على الحقِّ له موقِفُ

خلِّ طرقَ الجهلِ واعْدل إلى   مولىً له الأعمالُ تُستأنَفُ



61 ـ امتزاج الأرواح

جُبِلَتْ روحُكَ في روحي كما   يُجبَلُ العَنبَرُ في المِسكِ الفَتِقْ

فإذا مسِّكَ شيءٌ مسَّني                فإذا أنتَ أنا لا نفترقْ



62 ـ ركوب الوجود بفقد الوجود

ركوبُ الحقيقةِ للحقِّ حقُّ     ومعنى العبارةِ فيه يَدِقُّ

ركِبتُ الوجودَ بفقدِ الوجودِ وقلبي على قسوةٍ لا يَرِقٌّ



63 ـ تجلِّي الطوالع

خَصَّني واحدي بتوحيدِ صدقٍ  ما إليه من المسالكِ طَرقُ

فأنا الحقُّ حُقَّ للحقِّ حقٌّ          لابسٌ ذاته فما ثَمَّ فرقُ

قد تجلَّت طوالعٌ زاهراتٌ       يتشعشعنَ, والطوالعُ برقُ



64 ـ لسان العلم ولسان الغيبِ

دخَلتُ بناسوتي لديكَ على الخَلْقِ    ولولاكَ، لاهوتي، خَرَجتُ من الصدقِ

فإن لسانَ العلمِ للنُّطقِ والهُدى             وإنَّ لسانَ الغيبِ جَلَّ عن النُّطقِ

ظهرتَ لخلقٍ وإلتبستَ لِفتيةٍ            فتاهوا وضلّوا واحتَجَبْتَ عن الخَلْقِ

فتظهرُ للألبابِ في الغَربِ تارةً     وطوراً عن الأبصارِ تَغربُ في الشَّرقِ



65 ـ عذاب المحبّ

أنا الذي نفسُهُ تشوِّقُهُ                لحَتْفِهِ عنوَةً وقد عَلِقَتْ

أنا الذي في الهموم مُهجَتُهُ    تصيحُ من وَحشَةٍ وقد غَرِقَتْ

أنا حزينٌ مُعذَّبٌ قَلِقٌ            روحيَ منْ أسرِ حبِّها أَبِقَتْ

كيف بقائي وقد رمى كبدي        بأسهُمٍ من لحاظِهِ رُشِقَتْ

فلو لَفَطْمٍ تَعرَّضَتْ كبِدي       ذابَتْ بِحرِّ الهمومِ واحتَرَقَتْ

باحتْ بما في الضميرِ يَكتُمُهُ        دموعُ بَثٍّ بِسرِّهِ نَطَقَتْ





66 ـ محقُ العشاق

اتَّحَدَ المعشوقُ بالعاشِقِ        ابتسمَ الموموقُ للوامِقِ

واشتَرَكَ الشَّكلانِ في حالةٍ   فامتَحَقا في العالمِ الماحِقِ



67 ـ السرُّ والطريقة

صيَّرني الحقُّ بالحقيقهْ          بالعهدِ والعَقدِ و الوثيقَهْ

شاهدَ سرّي بلا ضميري   هذاكَ سرّي، وذي الطريقهْ



68 ـ شفاء العليل بالحب

أنا سقيمٌ عليلٌ               فداوِني بدواكْ

أُجري حُشاشَةَ نفسي  في سُفْنِ بحرِ رضاكْ

أنا حبيسٌ فقلْ لي :        متى يكونُ الفكاكْ ؟

حتّى يُظاهِرَ روحي      ما مضَّها من جَفاكْ

طُوبى لعينِ محبٍّ          حبَوْتُها من رؤاكْ

وليس في القلبِ واللُّــــبِ موضِعٌ لسواكْ



69 ـ خداع الدنيا

دُنْيا تُخادِعني كأنــــي لستُ أعرفُ حالَها

حَظَرَ الإلهُ حرامَها        وأنا اجتَنَبْتُ حلالَها

مدَّتْ إليَّ يمينها              فَرَدَدْتُها وشِمالَها

ورأيتُها مُحتاجَةً           فوَهبْتُ جُمْلَتها لها

ومتى عرفتُ وصالَها   حتى أخافَ ملالها ؟!



70 ـ امتزاج الأرواح

مُزِجَتْ رُوحُكَ في روحي كما  تُمزَجُ الخَمرَةُ بالماءِ الزلالْ

فإذا مسِّكَ شيءٌ مسَّني             فإذا أنتَ أنا في كلِّ حالْ



71 ـ الأحوال والشهود

نِعْمَ الإعانةِ رَمزاً في خفا لُطُفٍ    في بارقٍ لاحَ فيها من عُلا خَلَلِهْ

والحالُ يرمِقُني طوراً وأرمُقُهُ   إن شا فيُغْشَى على الاخوانِ من قُلَلِهْ

حالٌ إليهِ جرى فيه ِبِهِمَّتِهِ        عن فيضِ بحرٍ من التَّمويهِ من مِلَلِهْ

فالكُلُّ يشهَدُهُ كُلاً وأشَهَدُهُ   مع الحقيقةِ ـ لا بالشَّخصِ ـ من طَلَلِهْ



72 ـ الاندماج الكُلّي

أيا مولايَ، دَعوةُ مستجيرِ      بقُرْبِكَ في بعادِكَ والتَّسلّي

لقدْ أوضحتَ أوضاحَ المعاني    بعرضِكَها بأثوابِ التجلّي

شغلتَ جوارِحي عن كُلِّ شغلٍ    فكُلّي فيكَ مشغولٌ بكُلّي



73 ـ الهيكل والنور

هيكَليُّ الجسمِ نُوريُّ الصَّميمْ   صَمَديُّ الروحِ ديَّانٌ عليمْ

عاد بالروح إلى أربابِها    فبقى الهيكلُ في التُّربِ رَميم



74 ـ التوحيد

ثلاثةُ أحرفٍ لاعُجمَ فيها     ومعجومانِ، وانقطعَ الكلامُ

فمعجومٌ يشاكلُ واجديهِ          ومتروكٌ يصدِّقُهُ الأنامُ

وباقي الحرفِ مرْموزٌ معمّى   فلا سَفَرٌ هناكَ ولا مقامُ



75 ـ حقيقة الأديان

تفكّرتُ في الأديانِ جِدُّ مُحقّقٍ    فألفيتها أصلاً له شُعَبٌ جَمّا

فلا تَطلُبَنْ للمرءِ ديناً، فإنه   يَصِدُّ عن الأصلِ الوَثيقِ، وإنّما

يُطالِبُهُ أصلٌ يُعَبِّرُ عندَهُ       جميعَ المعالي والمعاني فيفهَما



76 ـ آثارُ الانفراد

أشارَ لحظي بعينِ علمِ            بخالصٍ من خفيِّ وهمِ

ولائحٍ لاحَ في ضميري           أدَقُّ منْ فَهم ِوهَم ِهمّي

صخضتُ في لجِّ بحر فكري في مركَبٍ في رياحِ عَزمي

وطارَ قلبي بريشِ شوقٍ               أمُرُّ فيهِ كمَرِّ سَهمِ

إلى الذي ان سُئلتُ عنه           رمَزتُ رَمزاً ولمْ أُسمِّ

حتى إذا جُزتُ كلَّ وجدٍ            في فلوات ِالدنوِّ أهمي

نظرتُ إذ ذاكَ في سِجلٍّ          فما تجاوزتُ حدَّ رسمي

فجئتُ مُستسلماً إليه :            حبْلُ قيادي بِكَفِّ سِلْمي

قد وسَمَ الحبُّ منه قلبي          بمَيْسَمِ الشوقِ أيَّ وسْمِ

وغابَ عنّي شهودُ ذاتي      بالقُربِ، حتّى نسيتُ اسمي



77 ـ غزل حسِّي على سِنَّة التَّصوُّف

شيءٌ بقلبي، وفيه منكَ أسماءُ   لا النورُ يدري به ـ كلا ! ولا الظلمُ

ونورُ وجهِكَ سرٌّ حينَ أشهدُهُ        هذا هو الجودُ والإحسانُ والكرمُ

فخذ حديثي، حبّي، أنتَ تعلمُهُ           لا اللوحُ يَعلمُهُ حقاً ولا القلمُ



78 ـ دستور المحبين

قضى عليه الهوى ألا يذوقُ كرىً      وباتَ مُكتحلاً بالصَّابِ لمْ يَنَمِ

يقولُ للعينِ : جودي بالدموع، فإنْ       تبكي بجدٍّ [ وإلا ] فلنجُدْ بدَمِ

فمنْ شروطِ الهوى إنَّ المحبَّ يَرى   بُؤسَ الهوى أبداً أحلى من النِّعَمِ



79 ـ روحان في بدن

أنا من أهْوَى، ومن أَهْوى أنا      نحنُ رُوحانِ حَلَلْنا بَدَنا

نحن، مُذْ كنَّا علىعهدِ الهوى    تُضرَبُ الأمثالُ للناسِ بنا

فإذا أبصَرْتَني أبصَرتَهُ ,            وإذا أبصَرْتَهُ أبصَرْتَنا

أيها السائلُ عن قِصَّتِنا               لو ترانا لم تُفرِّقْ بيننا

رُوحُهُ رُوحي ورُوحي رُوحهُ  مَنْ رأى رُوحين حلَّتْ بدنا ؟!





80 ـ عجائب وتمنيات

عَجِبْتُ منكَ ومنّي          يا مُنيَةَ المُتمَنّي

أدنَيْتَني منكَ حتى           ظَنَنْتُ أنَّك أنّي

وغبتُ في الوجدِ حتى      أفْنَيْتَني بِكَ عنّي

يا نِعمَتي في حياتي      وراحَتي بعدَ دَفْني

مالي بغيرِكَ أُنسٌ      إذ كُنتَ خوفي وأَمْني

يا مَن رياضُ معانيـــهِ قد حَوتْ كلَّ فَنِّ

وإن تَمنَّيْتُ شيئاً            فأنتَ كلُّ التَّمَني



81 ـ مقالة حلاجية في الوجود

لم يبقَ بيني وبينَ الحقِّ تِبياني   ولا دليلٌ بآياتٍ وبُرهان ِ

هذا تجلّي طلوعُ الحقِّ : نائرةٌ         قد أزهرتْ في تلاليها بسُلطانِ

لا يعرف الحقَّ إلا من يَعرّفّهُ        لا يعرفُ القِدَميَّ المُحدَثُ الفاني

لا يُستَدلُّ على الباري بصنعته :           رأيتم حَدَثاً يُبني عنِ ازْمانِ ؟

كان الدليلُ له عنه إليه به          من شاهدِ الحقِّ في تنزيلِ فرقانِ

هذا وجودي وتصريحي ومعتَقَدي       هذا توحُّدُ توحيدي وإيماني

هذي عبارةُ أهلِ الإنفرادِ به        ذوي المعارِفِ في سرٍّ وإعلانِ

هذا وجودُ وجودِ الواجدينَ لهُ    بني التجانُسِ : أصحابي وخُلاّني



82 ـ جميل في الرابعة عشرة

أنتَ بينَ الشغافِ والقلبِ تجري   مثلَ جريِ الدموعِ من أجفاني

وتُحِلُّ الضميرَ جوفَ فُؤادي        كحلولُ الأرواحِ في الأبدانِِ

ليسَ منْ ساكنٍ تحرّكَ إلا            أنتَ حرَّكتَهُ خَفيَّ المكانِ

يا هلالاً بدا لأربعَ عشرٍ                  فثمانٍ وأربعٍ واثنانِ



83 ـ حقيقتي وبياني

يا غافلاً لجهالةٍ عن شاني                هلاّ عَرَفتَ حقيقَتي وبياني ؟

فعبادتي لله ستَّةُ أحرفٍ                   من بينها حرفانِ معجومانِ :

حرْفانِ، أصليٌّ وآخرُ شَكْلُهُ          في العُجمِ منسوبٌ إلى إيماني

فإذا بدا رأسُ الحُروفِ أمامها        حرْفٌ يقومُ مقامَ حَرْفٍ ثاني

أبصرتني بمكانِ موسى قائماً   في النّورِ فوقَ الطُّورِ حينَ تراني



لغزٌ حله كلمة [ اتّحاد ]



84 ـ أنا أنتَ بلا شك

أنا أنتَ بلا شكٍّ        فسبحانَكَ سُبحاني

وتوحيدُكَ توحيدي   وَعصيانُكَ عصياني

وإسخاطُكَ إسخاطي   وغفرانُكُ غفراني

ولِمَ أُجْلَدُ، ياربُّ   إذا قيلَ : هوَ الزاني ؟



85 ـ رسالة شعرية

أرسَلْتَ تسألُ عنِّي كيفَ كُنتَ ؟ وما              لَقِيتُ بَعْدكَ مِنْ همٍّ ومِنْ حَزَنِ

لا كنتُ، إن كنتُ أدري كيف كنتُ ولا   ( لا كُنْتُ ) إن كنْتُ أدري كيفَ لم أَكُنِ



86 ـ مناجاة

قد تحقَّقْتُكَ في سرّ……..ي فناجاكَ لساني

فاجتمعنا لمعانٍ            وافترقنا لمعاني

إن يكُنْ غيَّبَكَ التعظيــمُ عن لحظِ عياني

فلقدْ صيَّرَكَ الوجدُ      من الاحشاءِ داني



87 ـ رفع الإنِّيِّة دون الإثنينية

أأنتَ أمْ أنا هذا في إلهين ؟          حاشاكَ حاشاكَ من إثباتِ إثنينِ

هُويَّةٌ  لك في لائيَّتي أبداً :           كُلِّي على الكُلِّ تلبيسٌ بوجهَينِ

فأينَ ذاتُكَ عنِّي حيثُ كُنْتُ أرى ؟        قد تبيَّنَ ذاتي حيثُ لا أيْني

وأينَ وَجهُكَ ؟ مقصوداً بناظرتي  في باطن القلبِ أم في ناظر العينِ ؟

بيني وبينك إنِّيٌّ ينازعُني                 فارفعْ بِلُطفِكَ إنِّيِّ من البَيْنِ



88 ـ القلبُ حمّالُ أثقال

حمَّلتُمُ القْلبَ ما لا يَحمِلُ البَدَنُ       والقلبُ يُحملُ ما لا تحملُ البُدُنُ

يا ليتني كنتُ أدنى مَنْ يلوذُ بكم   عَيناً ـ لأنظُرَكُمْ ـ أو ليتني أُذُنُ



89 ـ أنتَ في الجهاتِ الستِّ

رقيبانِ منّي شاهدانِ لِحبِّهِ                       وإثنانِ منّي شاهدانِ تَراني

فما جالَ في سرّي لغيرِكَ خاطرٌ         ولا قال ـ إلا في هواكَ ـ لساني

فإن رُمْتُ شرقاً أنتَ في الشرقِ شرقُُهُ   وإنْ رُمتُ غرباً أنتَ نُصبُ عَياني

وإنْ رُمتُ فوقاً أنتَ في الفَوقِ فَوْقَهُ           وإن رمتُ تحتاً أن كلُّ مكانِ

وأنتَ محلُّ الكُلِّ بل ( لا محلّه )                وأنتَ بكلِّ الكُلِّ ليسَ بفانِ

بقلبي وروحي والضميرِ وخاطري           وتَردادِ أنفاسي وعَقْدِ لساني



90 ـ بيانُ الحقِّ

بيانُ بيانِ الحقِّ أنتَ بيانُهُ           وكلُّ بيانٍ أنتَ فيه لسانُهُ

أشرتَ إلى حقٍّ بحقٍّ، وكلُّ مَنْ     أشارَ إلى حقٍّ فأنتَ أمانُهُ

تشيرُ بحقِّ الحقِّ، والحقُّ باطِلٌ      وكُلُّ لسانٍ قد أتاكَ أوانُهُ

إذا كانَ نعْتُ الحقِّ للحقِّ بيِّناً    فما بالهُ في الناسِ يُخفى مكانُهُ ؟!



91 ـ خطاب من الجنان

خاطبني الحقُّ من جَناني   فكان عِلمي على لساني

قرَّبَني منه بعدَ بُعدٍ       وخصَّني الله واصطفاني

أجبتُ لمّا دُعيتُ طَوعاً         مُلبَّياً للّذي دعاني

وخِفتُ مما جنيتُ قُدماً       فوقَّعَ الحِبُّ بالأمانِ



والتوقيع هي العبارات القصيرة التي تتضمن الأحكام التي تصدر من السلطان.



92 ـ وصية

 ألا أبلغ أحبّائي بأني           ركِبتُ البحرَ وانَكَسَرَ السفينه

على دين ِالصليبِ يكونُ موتي   ولا البطحا أُريدُ ولا المدينه



93 ـ كيف يكون الوصال

مواصلي، بالوصال، صِلني   وَصِلْ وصالاً بلا تجنّي

زَعَمْتَ أني فَنِيتُ عنّي           فكيفَ لي بالدُّنوِّ مني

إذا دنا منكَ لي فؤادي           فلا تسلني وسَلْهُ عنّي

سُؤالَ مستيقظٍ حَفيظٍ           الحق أعني وأنتَ تعني

مواصلي بالصدودِ لمّا        بحقِّ حقِّ الصدودِ صلني

ولا تُمِتْني بكرْبِ صَدٍّ   فبعضُ ضَربِ الصدودِ يُضني

عَجِبتُ أني أموتُ شوقاً    وأنتَ ـ ياسيدي ـ تَعِدْني



94 ـ استغاثة

يا معينَ الضَّنى على جسدي   يا معينَ الضنا، عليهِ أعنّي



95 ـ رسالة من أعماق الروح

إنّ كتابي ـ [ يا أنا ] ـ   عن فَرطِ سُقمٍ وضَنى

وعن فؤادٍ هائمٍ   وعن سَقامٍ وَ عَنا

وعن بُكاءٍ دائمٍ   جَرى فأجرى السُّفُنا

وعن جُفونٍ أرِقَتْ   فما تذوقُ الوسَنا

وعن نحولٍ ساقَني        طوعاً إلى فَنا الفَنا

وعن حشاً …….         ……………..
فاكفُفْ ملامي، عاذلي    [ فَقَدْ ] فقَدْتُ السَّكنا

وغاضَ ماءُ أدمعي       وصارَ عيشي مِحنا

وغابَ من عُذتُ به        ولم يزل لي وطنا

أتلَفتُ فيه مُهجتي         وصارَ شوقي ديدَنا

وصار، إذ سرتُ به    نِضوي لغيري مُرسِنا

يا أيها الحق الذي           يدنو إليه من دنا

ما لي رُميتُ بالضَّنى       وبالصدودِ والوَنا

ما لي جفا مُعذّبي          وما جفوتُ المَعدِنا ؟

فلمْ جَرى ذا، يا أنا           بحقِّ حقِّ الأُمنا

أَرْدُدْ جوابَ والِهٍ          خاصمَ فيكَ الحَزَنا

فأوصلوا الوصلَ لَهُ       بهجرِ هجرِ القُرنا

وراقبوا العهدَ الذي          أمطرَ فينا المِنَنا

فمِثلُكم، ياسادتي             أجملَ ثم أحسنا

يا واهبي السؤلَ أما      تَرُون شوقي مُعْلَنا

شهودُهُ ضرورةٌ               حقائقي قد بيَّنا

منكَ دعاني [ ما ] دعا         فجئتُهُ بلا أنا

جئتُ إليكم بِكُمُ            فصِرتُمُ لي وَطنا

إلى متى أبقى أنا              كعابدٍ تَرَهبنا

فما ألوم لائمي         وليس في اللومِ ونى

ففي النوى عهدُ الهوى   وطيبَ عيشٍ وهنا

أظنُّهُ البحر ومن          مُرِّ الجفا قد أمّنا

فكن هواءً في الهوى    من الهوى قد كَمَنا

وانظر لترى عجائباً      تحارَ فيها الفُطَنا

إنَّ الذي هي التي      حشَتْ حشانا شَجَنا

يُنقُضُها عقدُ الهوى       وما منِ المُهيمِنا

رعى لها حقوقها         تواصلاً والدّمنا

لكنّها عنه وَنَتْ     وليسَ في الحبِّ ونَى

أنا أُراعي فاتناً           جميلَ فعلٍ وَثَنا



96 ـ الرضا الكامل

يا حبيبي أنتَ سؤلي   قد تَراني في مَكاني

نورُكَ المُبصرُ حقاً          لعياني لعياني

وتحققٌّتُكَ فاصنعْ       كُلَّ ما شئتَ بشاني

أنا في الحبّ قتيلٌ     ومعَ الأحبابِ فاني



97 ـ أينَ مثلكَ ؟!

طوبى لطرفٍ فازَ منـــــك بنظرةٍ أو نظرتينْ

ورأى جمالَكَ كلَّ يو              مٍ مرَّةً أو مرتينْ

يازينَ كلِّ مَلاحةٍ          حُوشيتَ مِنْ عيبٍ وشينْ

أنتَ المُقدَّمُ في الجما         ل فأين مثلُكَ أينَ أينْ ؟



98 ـ قلوب العاشقين

قلوبُ العاشقينَ لها عيونٌ          تَرى ما لا يَراهُ الناظرونا

وألسنةٌ بأسرارٍ تُناجي              تغيبُ عن الكرام ِالكاتبينا

وأجنحةٌ تطيرُ بغيرِ ريشٍ           إلى ملكوتِ ربِّ العالمينا

وتَرْتَعُ في رياضِ القُدسِ طوراً   وتشرَبُ من بحارِ العارفينا

فأورَثَنا الشّرابُ علومَ غيبٍ        تشِفُّ على علومِ الأقدمينا

شواهِدُها عليها ناطقاتٌ            تُبَطّلُ كلّ دعوى المُدّعينا

عبادٌ أخلصوا في السرِّ حَتّى      دَنوا منه وصاروا واصلينا



99 ـ المعيّة مع الله

ارجِعْ إلى الله، إن الغايةَ اللهُ      فلا إلهَ ـ إذا بالغتَ ـ إلاّ هُو

وإنّهُ لمعَ الخلْقِ الذينَ لَهُمْ       في الميمِ والعينِ والتقديسِ معناهُ

معناهُ في شفتيْ من حلّ منعقداً   عن التهجّي إلى خلقٍ بهِ فاهوا

فإنْ تشُكَّ، فدَبِّرْ قولَ صاحِبِكُم   حتى يقولَ بِنَفي الشكِّ : هذا هو

فالميمُ يُفتَحُ أعلاهُ وأسفلُه            والعينُ يُفتَحُ أقصاهُ وأدناهُ



100 ـ حيرة العقل

من رامَهُ بالعقلِ مُسترشداً      أسرحَهُ في حِيرةٍ يُلْهو

قد شابَ بالتدليسِ أسرارَهُ   يقولُ في حَيرَتِهِ : هل هو ؟



101 ـ لا سهو ولا لهو

لستُ بالتوحيدِ ألهُو         غير أني عنه أسْهو

كيفَ أسهوْ ؟ كيفَ ألهو ؟  وصحيحٌ أنني هُو ؟!



102 ـ دواءٌ يُشفى به من يبحث عن الأسم الأعظم !

إسمٌ مع َالخَلقِ قَدْ تأهوا به ِوَلَهاً    لِيَعْلَموا مِنْهُ مَعْنىً من معانيهِ

واللهِ لا وصلوا منه إلى سَبَبٍ       حتّى يكونَ الذي أبداهُ يبديهِ



103 ـ نصيحة

عليكِ، يا نفسُ، بالتّسلّي    فالعزُّ بالزُّهدِ والتَّخلّي

عليكِ بالطَّلعَةِ التي مشـــْكاتها الكشفُ والتجلّي

قد قامَ بعضي ببعضِ بعضي   وهامَ كُلّي بكُلِّ كُلّي



104 ـ ضمن رسالة من السجن

هَمِّي بِهِ وَلهٌ عليكْ        يا من إشارَتُنا إليكْ

روحانِ ضمَّهُما الهوى   فيما يَليكَ وفي يَديكْ



105 ـ كيف السبيل إليك

لا كُنتُ إن كنتُ أدري    كيفَ السبيلُ إليكا

أفنيتَني عن جميعي     فصرتُ أبكي عليكا



106 ـ النفوذ إلى الأسرار

يا سرَّ سرٍّ، يَدُقُّ حتى     يخفى على وهم كلِّ حَيِّ

وظاهراً باطناً تجلّى            لكلِّ شيءٍ بكلِّ شيِّ

إنَّ اعتذاري إليكَ جَهلٌ      وعُظْمُ شَكٍّ وفَرطُ عَيِّ

يا جُملةَ الكُلِّ، لستَ غيري   فما اعتذاري إذنْ إليِّ



107 ـ عيون القلوب

فيكَ معنى يدعو النفوسَ إليكا    ودليلٌ يدلُّ مِنْكَ عليكا

ليَ قلبٌ لهُ إليك عيونٌ         ناظراتٌ وكلُّهُ في يديكا



108 ـ في التجلي والاستتارْ

سرائرُ الحقِّ لا تبدو لمحتَجِبِ    أخفاهُ عنك، فلا تعرِضْ لمُخفيهِ

لا تُعْنِ نفسكَ فيما لستَ تدركُهُ      حاشا الحقيقة أن تبدو فتوفيهِ



109 ـ في حقائق المعرفة

راعيتني بالحفاظِ حتّى        حُميتُ عن مَرْبَعٍ وبيِّ

فأنت عند الخصامِ عُذري    وفي ظمآئي فأنتَ ريّيِّ

إذا امتطى العارفُ المُصَلّى   أسْرى إلى منظَرٍ عليِّ

وغاصَ في أبحرٍ غِزارٍ       تَفيضُ بالخاطِرِ الوَحيِّ

فضَّ ختامَ الغُيوبِ عمّا     يُحيي فؤادَ الشجيِّ الوَليِّ

مَنْ حارَ في دهشةِ التلاقي       أبصَرتَهُ ميِّتاً كحيِّ













1 ـ الذكرُ القاتل

ما إنْ ذَكَرْتُكَ إلا همَّ يَقْتُلُني     ذكري، وسرّي وقلبي عند ذكراكا

حتّى كأن رقيباً منكَ يَهتِفُ بي :         إيّاكَ، إيّاكَ والتَّذكارَ إيّاكا

أما ترى الحقَّ قد لاحتْ شواهِدُهُ   وواصَلَ الكُلُّ من معناهُ معناكا

                                                                                     [ لأبي الحسين النوري ]



2 ـ إصرار على اللقاء

كم حسرةٍ فيكَ لي غَصَّتْ مَرارَاتُها   جعَلَتُ قلبي لها وقْفاً لبلواكا

وحقِّ ما منك يُضنيني ويُنعِشُني         لأبكينّكَ أو أحظى بلقياكا

                                                                                       [ على لسان مجهول ]

3 ـ المحبُّ الملازم

ليسَ تخلو جوارحي منك وقتاً         هي مشغولةٌ بحملِ هواكا

ليس يجري على لسانيَ شيءٌ    ـ عَلِمَ اللهُ ذا ـ سوى ذكراكا

                                                                                       [ على لسان مجهول ]



4 ـ لذّةُ الصدِّ

رماني بالصدودِ كما تَراني    وألبسني الغرامَ وقدْ بَراني

ووقتي كُلُّهُ حُلوٌ لذيذٌ             إذا ماكان َمولائي يَراني

رضِيتُ بصُنعهِ في كلِّ حالٍ   ولستُ بِكارهٍ ما قدْ رماني

فيا من ليسَ يَشهَدُ ما أراهُ     لقدْ غُيِّبْتَ عن عينٍ تراني



5 ـ استجماع الهوى بعد التفرّق

كانت لقلبيَ أهواءٌ مفرَّقَةٌ              فاستجمَعَتْ، مُذْ رأتكَ العينُ، أهوائي

فصارَ يحسُدُني مَنْ كُنتُ أحسُدُهُ   وصِرتُ مَولى الوَرى مُذ صِرتَ مولائي

تركتُ للناسِ دنياهُمْ ودينَهُمُ                   شُغلاً بحبِّكَ، يا ديني ودُنيائي

ما لامني فيكَ أحبابي وأعدائي                إلا لغفلَتِهِمْ عن عُظْمِ بَلوائي

أشعَلْتَ في كبدي نارينِ : واحِدَةً        بينَ الضلوعِ وأخرى بينَ أحشائي

                                                            [ لأبي بكر محمد بن داود الأصفهاني الظاهري ]



6 ـ سكرُ المحبَّة

سَكِرتُ من المعنى الذي هُوَ طيِّبٌ  ولكَّن سُكري بالمحبَّةِ أعجَبُ

وما كلُّ سكرانٍ يُحدُّ بواجبٍ       ففي الحبِّ سكرانٌ ولا يتأدَّبُ

تقومُ السُّكارى عن ثمانينَ جلدَةٍ  صحاةٍ، وسَكرانُ المحبَّةِ يُصْلَبُ

 [ على لسان مجهول ]



7 ـ حنين المحبّ كأنين العليل

حنينُ المُريدِ لشوقٍ يزيدُ     أنينُ المريضِ لِفَقدِ الطبيبِ

قد اشتدَّ حالُ المريدينَ فيهِ   لفَقدِ الوصالِ وبُعْدِ الحبيبِ

[ على لسان مجهول ]



8 ـ تمنيات

فليتَكَ تحلو، والحياةُ مريرةٌ         وليتَكَ تَرْضى والأنامُ غضابُ

وليتَ الذي بيني وبينَكَ عامرٌ         وبيني وبينَ العالمينَ خرابُ

إذا نِلتُ منكَ الوُدَّ فالكلُّ هيَّنٌ        وكلُّ الذي فوقَ التُّرابِ تُرابُ

فياليتَ شُربي من وِدادِكَ صافياً   وشُربيَ من ماءِ الفُراتِ سَرابُ

 [ الأبيات لأبي فراس الحمداني، ما عدا البيت الثالث فهو لأبي الطيب المتنبي ]



9 ـ عَذِّبني !

أُريدكَ لا أُريدُكَ للثوابِ         ولكنّي أُريدكَ للعقابِ

فكلُّ مآربي قدْ نِلتُ منها   سوى ملذوذِ وجدي بالعذابِ

أبو يزيد البسطامي

 

10 ـ النسمة المسكرة

نسمةٌ من جَنابِهِ             أوقَفَتني ببابِهِ

جَذَبتْني لِوَصلِهِ              أبداً واقترابِهِ

واستراحَ الفؤادُ من      هجرهِ واحتجابِهِ

طابَ لي ما سَمِعْتُهُ   في الدُّجى من عتابِهِ

وعلى كُلِّ حالةٍ        سكرتي من شرابِهِ



11 ـ السماع وعقابيله

طابَ السَّماعُ وهبَّتِ النسَماتُ      وتواجَدَتْ في حانِها السّاداتُ

سمعوا بذكر حبيبهم فتهتَّكوا      خلعوا العذارَ ودارتِ الكاساتُ

طرِبوا فطابتْ باللِّقا أرواحُهمْ          كتموا فبانَتْ منهُمُ حالاتُ

شرِبوا بأقداحٍ الصفا لمّا صَفَوا     سَكروا فلاحتْ منهم رقصاتُ

ظهرتْ عليهم منْ بواطِنِ سِرِّهِ         كاساتُ بِشرٍ كُلُّها راحاتُ

هطَلَتْ مَدامِعُهُمْ على وَجناتِهمْ      وتصاعدَتْ من شَوقِهِ زَفراتُ

زادَ الغرامُ بهم وفي أحشائهم          نارٌ وفي أكبادِهم جَمراتُ

فتعطّرَتْ ريحُ الصِّبا من عطرهم   وسَرَتْ بنشرِ روائحٍ نَفحاتُ

                                                                                   [ على لسان مجهول ]



12 ـ السَّماعُ و عقابيلهُ

طابَ السَّماعُ وهبَّتِ النسماتُ    وتواجدَتْ في حانها السّاداتُ

سمِعوا بذكرِ حبيبهمْ فَتَهَتَّكوا    خلعوا العِذارَ ودارتِ الكاساتُ

طَرِبوا فطابتْ باللقا أرواحُهم        كتموا فبانتْ منهُمُ حالاتُ

شربوا بأقداحِ الصَّفا لمَّا صَفَوا   سَكِروا فلاحتْ مِنهمُ رقصاتُ

ظهرتْ عليهمْ من بواطنِ سرِّه         كاساتُ بِشرٍ كُلُّها راحاتُ

هَطَلتْ مَدامعُهمْ على وَجناتِهم      وتصاعدتْ من شوقهِ زَفراتُ

زادَ الغرامُ بهم وفي أحشائهم          نارٌ وفي أكبادهم جَمَراتُ

فتعطَّرتْ ريحُ الصِّبا من عطرهم    وسَرَتْ بنشرِ روائحٍ نَفَحاتُ

[ على لسان مجهول ]



13 ـ عهد بالسهر وبالبكاء

متى سَهِرتْ عيني لغيرِكَ أو بَكَتْ    فلا أُعْطِيَتْ ما مُنِّيَتْ وتمنَّتِ

وإنْ أضمَرَتْ يوماً سواكَ فلا رَعَتْ   رياضَ المُنى منْ وجنتيكَ وَجَنَّةِ

                                                                                   [ لسمنون المحب ]



14 ـ كيف لا أغني

سَقوني وقالوا : لا تغنِّ ولو سَقَوا  جبالَ حُنينٍ ما سُقيْتُ لَغَنَّتِ

تمنَّتْ سُليمى أن أموتَ بحبِّها     وأسهلُ شيءٍ عندنا ما تمنَّتِ

[ للسمْهري العُكلي اللص ]



15 ـ سلطان القلوب

يا بديعَ الدَّلِّ الغُنُجِ         لكَ سُلطانٌ على المُهَجِ

إنَّ بيتاً أنتَ ساكنُهُ       غيرُ محتاجٍ إلى السُرُجِ

وجهُكَ المأمولُ حُجَّتُنا   يومَ يأتي الناسُ بالحُجَجِ

                                                                  [ ديك الجن، عبد السلام بن رغبان الكلبي ]



16 ـ عقوبة البوح بالأسرار

بالسِّرِّ إن باحوا تُباحُ دماؤُهمْ       وكذا دماءُ البائحينَ تُباحُ

                                                       [ للسهروردي المقتول، شهاب الدين يحيى بن حبش ]



17 ـ ما التصوُّفُ ؟

لا تسأمنَّ مقالتي، يا صاحِ،       وأقبَلْ نصيحةَ ناصحٍ نصَّاحِ

ليس التصوفُ حيلةً وتكلُّفاً            وتقشُّفاً وتواجداً بصياحِ

ليسَ التصوُّفُ كذبةً وبَطالةً            وجَهالةً ودُعابةً بمزاحِ

بل عِفَّةٌ ومروءةٌ وفتوَّةٌ               وقناعةٌ وطَهارةٌ بصلاحِ

وتُقىً وعلمٌ واقتداءٌ والصَفا     ورِضى وصدقٌ والوفا بسماحِ

من قامَ فيه بحقّهِ وحقوقهِ          وخلا من الحدثانِ والاشباحِ

متيقّناً متبصّراً متشمّراً               مستمطراً متقصَّدَ السيّاحِ

متعزِّزاً مُتحرّزاً متواضِعاً           متبدّلَ الأشباحِ والأرواحِ

تتشعشعُ الأنوارُ من أسراره   كتشعشع المشكاةِ في المصباحِ

تاءُ التقى صادُ الصفا واو الوفا    فاءُ الفتوّةِ، فاغتَنِمْ يا صاحِ



18 ـ لا يصلح قلبي لغيركَ

وكان فؤادي خالياً قبلَ حُبِّكُمْ             وكان بذكرِ الخلقِ يلهو ويمزحُ

فلما دعا قلبي هواكَ أجابَهُ                  فلستُ أراهُ عن وِدادِكَ يَبْرَحُ

حرامٌ على جفني الكرى، يا مُعذِّبي   وأنتَ على الهجران تمسي وتُصبِحُ

بُليتُ ببينٍ مِنْكَ إنْ كنتُ كاذِباً           وإنْ كنتُ في الدُّنيا بغيرِكَ أفرَحُ

وإن كانَ شيءٌ في البلادِ بأسرها        إذا غِبتَ عن عيني بعينيَّ يَملحُ

فإن شئتَ واصِلني، وإن شئتَ بالجفا    فلستُ أرى قلبي بغيركَ يُصلُحُ

[ ربما كانت لسمنون المحب، والحق فيها نفس محمد بن داوود الأصفهاني ]



19 ـ الوجدُ و الفقدُ مطلوبان

لقد أعجبني الوجدُ        بمن أهواهُ والفَقدُ

فلا بُعدٌ ولا قُربٌ       ولا وَصلٌ ولا صدُّ

ولا فوقٌ ولا تحتٌ         ولا قبلٌ ولا بَعْدُ

ولا عُرفٌ ولا نُكرٌ      ولا يأسٌ ولا وَعْدُ

فهذا مُنتهى سؤلي   [ وأنت ] الواحدُ الفردُ

[ على لسان مجهول ]



20 ـ لا وجد مع وجود الحق

الوجدُ يُطرِبُ مَنْ في الوَجدِ راحَتُهُ     والوجدُ عندَ وجودِ الحقِّ مفقودُ

قد كانَ يُوحِشُني وجدي ويؤنِسُني   برؤيةِ الوجدِ مَنْ في الوَجدِ موجودُ



21 ـ القريبُ البعيدُ

فقلتُ : أخلاّئي هي الشمسُ ضوؤها   قريبٌ، ولكنْ في تناولها بُعدُ

[ للعباس بن الأحنف ]



22 ـ عقيدتي

عقَدَ الخلائقُ في الإلهُ عقائداً    وأنا أعتَقَدْتُ جميعَ ما عَقَدوه

[ لابن عربي ]

23 ـ صوفيٌّ كامل

موجيدُ أهلِ الحقِّ تصدُقُ عن وجدي   وأسرارُ أهلِ السرِّ مكشوفَةٌ عندي

[ على لسان مجهول ]



24 ـ كفى شكاةً

وكم تشتكي ضُرَّ إشتياقكَ في الهوى   وأنتَ قريبٌ والمرادُ بعيدُ ؟

فكُنْ للأسى والسُّقمِ والحزنُ والبُكا     حليفاً وإنْ آذاكَ مِنْهُ لَدودُ

سلامٌ على قلبٍ وروحٍ ومهجةٍ       سُقينَ بكأسِ الودِّ فهي تريدُ



25 ـ نفي الصفات الإنسانية

ما في صفاتكِ عندَّ السرِّ منه يُرى     لا شيءَ عندَكِ موجودٌ إذا وُجِدا

فبادري قبلَ أن تبقَي، مُشرَّدَةً،           عنْ التقدُّسِ والعَفوِ الذي حُمِدا

فأنتِ جوهَرُ ذاكَ الأصلِ فانتهجي     مَناهجَ الحقِّ والخيرِ الذي قصدا

لا تصحِبَنَّ منَ الأشباحِ سائمةً               ولا تعودي إلى إنسيَّةٍ أبدا



26 ـ حكمةُ الأقدمين

تعوَّدتُ مسَّ الضُرِّ حتّى ألِفتُهُ   وأسلمني حسنُ العزاءِ إلى الصَّبرِ

[ عبد الله بن معاوية الطالبي ]



27 ـ سندبادُ التجاريب

طلبتُ المستقرَّ بكلٍّ أرضٍ     فلمْ أرَ لي بأرضٍ مستقرَّا

وذُقت ُمن الزمانِ وذاقَ مني   وجدُتُ مذاقَهُ حُلواً ومُرَّا

أطعتُ مطامعي فاستعبَدَتني   ولو أني قَنعتُ لكنتُ حُرَّا



28 ـ قصة رمزية

وطائرٍ، حلَّ أرضَ الشامِ، أقلَقَهُ                   فقدُ الأليفِ لهُ نُطقٌ بإضمارِ

قد كان إلفَ قصورٍ، صارَ مسكنُهُ        في غيضةِ الأيكِ في أغصانِ أشجارِ

يقول : ” أخطأتُ ! ” حتى الصبح، يُسعِدُهُ   صوتٌ شجيٌّ ويبكي وقتَ أسحارِ

في نُطقِهِ زُفَرٌ تُنبيكَ عن حُرَقٍ                     فينثني نوحُهُ نُطقاً بإضمارِ







29 ـ المكاشفة بعد نفاد الصبر

أيا من طَرفُهُ سحرُ    ويامن ريقُهُ خَمرُ

تجاسرتُ فكاشَفْتــُكَ لمّا غُلِبَ الصبرُ

وما أحسنَ في مثلـِكَ أن ينتَهكَ السِّترُ

وإن لامني الناسُ  ففي وجهكَ لي عُذرُ

لأنَّ البدرَ محتاجٌ    إلى وجهِكَ يا بدرُ

[ للحسين بن الضحاك الخليع ]



30 ـ رؤية القلب

العينُ تبصرُ من تَهوى وتَفْقِدُهُ            وناظرُ القلبِ لا يخلو من النظرِ

إن كانَ ليسَ معي، فالذكرُ منه معي   يراهُ قلبي وإنْ قدْ غابَ عن بصري

[ لقُطْرُب اللغوي ]



31 ـ أقربُ من كُلِّ قريب

شغلتُ قلبي بما لديكَ فما    ينفكُّ طولَ الحياةِ من فكري

آنستني بالودادِ منكَ وقدْ       أوحشتني من تخلُّطِ البشرِ

ذِكرُكَ لي مؤنِسٌ يُعارِضُني     يؤذِنُني منكَ عنكَ بالظَفَرِ

وحيثما كنتُ يا مَدَ[ى] هِمَمي   فأنت مني بموضعِ النظرِ

[ على لسان مجهول ]



32 ـ الجار قّبْلَ الدار

سكنتَ قلبي وفيه منكَ أسرارُ            فلتَهنِكَ الدّارُ أو فلْيّهنِكَ الجارُ

ما فيه غيرُك من سرٍّ علمتُ بهِ      فانظر بعينكَ : هل في الدارِ ديَّارُ

وليلةُ الهجرِ ـ إن طالتْ وإن قصُرتْ ـ     فمؤنسي أمَلٌ فيها وتِذكارُ

إني لَراضٍ بما يرضيكَ من تلفي          يا قاتلي، ولما تختارُ أختارُ

 البهاء زهير





33 ـ دين المحبين ودين الناس

والله، ما طلعت شمسٌ ولا غربُتْ          إلاَّ وحبُّكَ مقرونٌ بأنفاسي

ولا جلستُ إلى قومٍ أُحدِّثهُم               إلاّ وأنتَ حديثي بينَ جَُّلاسي

ولا ذكرتُكَ محزوناً ولا فَرِحاً             إلا وأنتَ بقلبي بينَ وسواسي

ولا هَمَمتُ بشُرْبِ الماءِ من عَطَشٍ      إلا رأيتُ خيالاً منكَ في الكاسِ

” ولو قَدَرتُ على الإتيانِ جئتَكُمُ    سعياً على الوجه أومشياً على الراسِ “

ويا فتى الحيِّ إن غنَّيْتَ لي طرَباً        فغنِّني واسِفاً من قلبِكِ القاسي

” مالي وللناسِ كمْ يَلحَوْنني سَفَهاً        ديني لنفسي ودينُ الناسِ لناسِ “

لمجهول

34 ـ القلب والقفل

يا وعوضي من عِوضي   وصحَّتي من مرَضي

يا من هواهُ دائماً          في مُهجتي لا يَنقَضي

هيَّمتَ قلبي سيّدي          والقلبُ بالقفلِ رَضي

أفنيتَني أضنيتَني            قَلْبي بذكراكَ رضي



35 ـ ضعف النفس الإنسانية

النفسُ بالشيءِ المُمنَّعِ مولَعَهْ   والحادِثاتُ أصولُها متفرِّعَهْ

والنفسُ للشيءِ البعيدِ مريدَةٌ    ولكلِّ ما قَرُبَتْ إليهِ مضيَّعَهْ

كلٌّ يحاول حيلةً يرجو بها   دفعَ المضرَّةِ واجتلابَ المنفعَهْ



36 ـ ماذا حدث ؟

ما لي جُفيتُ وكنتُ لا أُجفَى ؟   ودلائلُ الهِجرانِ لا تُخفى

ما لي أراكَ نَسيتَني بَطَراً           ولقدْ عَهدتُكَ تذكرُ الإلفا

وأراكَ تمزجُني وتشربُني       ولقدْ عهدتُكَ شاربي صِرفا

لمجهول

37 ـ إيّاكَ والتنينَ

نديمي غيرُ منسوبٍ    إلى شيءٍ من الحيفِ

سقاني مثلما يشرَ   بُ، فعلَ الضيفِ بالضيفِ

فلما دارَتِ الكأسُ         دعا بالنَّطعِ والسيفِ

كذا من يشرَبُ الرَّا     حَ مع التنينِ بالصيفِ

[ للحسين بن الضحاك الخليع ]



38 ـ خضاب الدم

لا تعرِّض لنا فهذا بنانُ   قد خضبناهُ من دم ِالعشَّاقِ



39 ـ الكأسُ شيعةُ العاشقين

الكأسُ سهَّلَتِ الشكوى فَبحتُ بكمْ   وما على الكأسِ من شُرَّابها دَرَكُ

هَبني ادَّعيتُ بأني مُدنَفٌ سَقِمٌ           فما لمضجعِ جنبي كلُّهُ حَسَكُ

هجرٌ يسوءُ ووصلٌ لا أُسرُّ بهِ    ما لي يدورُ بما لا أشتهي الفَلَكُ ؟!

فكلَّما زادَ دمعي زادني قَلَقاً              كأنني شمعةٌ تبكي فتنسَبِكُ

لمجهول



40 ـ لا تخش غدراً

أُدنُ مني ولا تخافنَّ غدري   ليسَ يخشى الخليلُ غدرَ الخليلِ

إنَّ أدنى الذي ينالك مني          سترُ ما يُتَّقى وبثُّ الجميلِ



41 ـ لا غنى عنك

إذا هجرتَ فمَنْ لي ؟            ومن يُجَمِّلُ كُلّي

ومن لروحي وراحي،           يا أكثري وأقلّي

أحَبَّكَ البعضُ مني               وقد ذهَبتُ بكُلّي

 يا كُلِّ كُلّي، فكنْ لي      إنْ لم تكنْ لي فمن لي

يا كُلَّ كُلي، وأهلي        عندَ انقطاعي ووصلي

ما لي سوى الروحِ، خذها   والرُّوحُ جُهدُ المقلِّ

[ من المجتث][ لمجهول، وربما كانت للحلاج ]



42 ـ الموت حبّاً

أما ـ والذي لِدمي حلَّلا،             ومَنْ خصَّ أهلَ الولا بالبلا ـ

لئنْ ذُقتُ فيكَ كؤوسَ الحِما        مِ لَما قال قَلبي لساقيهِ : لا

وما كنتُ مِمَّنْ تَشاكى الهَوى        ولو قدّني مفصلاً مِفصلا

رضيتُ ـ وحقِّكَ ـ كُلَّ الرضا     إذا كانَ يُرضيكَ أن أُقتلا

فلا عيبَ إنْ مِتُّ مَوْتَ الكِرامِ   كما ما َفي الحبِّ منْ قَدْ خَلا

[ عز الدين بن عبد السلام المرسي الأنصاري ]



43 ـ الهوى الوحيد

كلُّ حُبٍ [ حشوَ ] قلبي     غيرَ حُبَّيكَ، حَرامُ

أنتَ لي روحٌ وراحٌ      [ أنتَ ] زهرٌ ومدامُ

وسرورٌ وهمومٌ             وشفاءٌ وسَقامُ

فعلى كلِّ هوىً بعـــدَ هوىً فيكَ سَلامُ

[ لمجهول ]



44 ـ حجابُ القلبِ

بدا لكَ سرٌّ طالَ عنكَ اكتَتامُهُ     ولاح صباحٌ كنتَ أنتَ ظلامَهُ

وأنتَ حجابُ القلبِ عن سرِّ غيبِهِ   ولولاكَ لم يَطبَعْ عليهِ خَتامَهُ

[ لابن العريف، أبي العباس أحمد بن محمد الصنهاجي ]



45 ـ تُهدى الأضاحي وأُهدي مهجتي ودمي

إن الحبيبَ الذي يرضيه سفكَ دمي       دمي حلالٌ لهُ في الحلِّ والحرمِ

إن كانَ سفكُ دمي أقصى مرادِكُمُ        فلا عَدتْ نظرةٌ منكم بِسفكِ دمي

واللهِ، لو علمتْ روحي بمن علِقَتْ   قامتْ على رأسها ـ فضلاً عن القدمِ

يا لائمي، لا تلُمْني في هواهُ فلو            عاينتَ منهُ الذي عاينتُ لَمْ تَلُمِ

يطوف بالبيتِ قومٌ لا بجارِحَةٍ :            بالله طافوا فأغناهم عن الحرمِ

ضحَّى الحبيبُ بنفسٍ يومَ عيدِهمُ         والناسُ ضحُّوا بمثل الشاءِ والنعمِ

” للناس حجٌّ ولي حجٌ إلى سكني :   تُهدى الأضاحي وأُهدي مُهجتي ودمي

لمجهول

46 ـ نعيُّ المثل العليا

أنعي إليكَ نُفوساً طاحَ شاهدُها    فيما ورا الحيثُ يَلقى شاهدَ القِدَمِ

أنعي إليكَ قُلوباً طالما هَطَلَتْ      سحائبُ الوحي فيها أبحُرَ الحِكَمِ

أنعي إليكَ لسانَ الحقِّ مذ زمنٍ     أودى وتذكارُهُ في الوَهمِ كالعَدَمِ

أنعي إليكَ بياناً تستكينُ لَهُ              أقوالُ كلِّ فصيحٍ مقولٍ فَهِمِ

أنعي إليكَ إشارتِ القلوبِ معاً        لمْ يبقَ منهنَّ إلا دارسُ الرِّمَمِ

أنعي ـ وحقِّكَ ـ أخلاقاً لطائفةٍ     كانت مطاياهُمُ من مَكمَدِ الكَظمِ

مضى الجميعُ، فلا عينٌ ولا أثرٌ       مَضِيَّ عادٍ وفقدانَ الأُلى إرمِ

وخلَّفوا معشراً يُجرونَ لُبسَتَهُمْ    أعيى منَ البَهْمِ بل أعيى من النِّعِمِ

[ لأبي الحسين النوري ]



47 ـ لا معنىً لليأس

لئن أمسيتُ في ثوبَيْ عَديمِ          لقد بَلِيا على حُرٍّ كريمِ

فلا يحزُنكَ أنْ أبصرْتَ حالاً          مغيَّرةً عنِ الحالِ القديمِ

فلي نفسٌ ستتلفُ أو ستَرْقى   ـ لعمرُكَ ـ بي إلى أمرٍ جسيمِ

[ لسمنون المحبّ ]



48 ـ إلى حتفي سعى قدمي

إلى حتفي سعى قدمي  أرى قدمي أراقَ دمي

فما أنْفَكُّ من نَدَمِ          وهانَ دمي فهانَ دمي

[ مجزوء الوافر ][ لأبي الفتح البستي ]



49 ـ أستحق القتل

أنتَ في حِلً وفي سَعَةٍ    من دَمي، يا مَن أراق دمي

عُظمُ حُبّي واحتراقي جوىً     جعلاني لا أرى قدمي



50 ـ عُد إلى السلام

يا ذا الذي تَرَكَ السَّلامَ تجنُّباً    ليسَ السَّلامُ بضائرٍ مَنْ سَلَّما

إنَّ السلامَ تحيّةٌ مَبرورةٌ           ليستْ لتكسِبَ قائليها مأثما



51 ـ الثباتُ عَلَى العَهد

لم تغيّرهُ رسومٌ    لا ولا عهد ٌقديمُ

سمةُ الوجدِ عليهِ   وهوَ بالوجدِ يهيمُ

[ مجزوء الرمل ]



52 ـ كتمان العلم عن غيرِ أهلهِ

إني لأكتمُ من علمي جواهرَهُ   كي لا يرى العلمَ ذو جهلٍ فيفتَتِنا

وقد تقدَّمَ في هذا أبو حسنٍٍ       إلى الحسينِ ووصّى قبلَهَ الحسَنا

يا ربَّ جوهَرِ علمٍ، لو أبوحُ به   لقيلَ لي : أنتَ ممن يَعبِدُ الوَثنا

ولاستحلَّ رجالٌ مسلمونَ دمي        يرونَ أقبحَ ما يأتونَهُ حَسَنا

[ للعتابي، أبي عمر كلثوم بن عمرو ]



53 ـ الحياة بعد الموت

قل لمن يبكي علينا حَزَنا :     إفرحوا لي قد بلغنا الوطَنا

إنَّ موتي هُو حياتي إنني            أنظرُ الله جِهاراً عَلَنا

مَنْ بَنَى لي دارْ في دنيا البقا   ليسَ بيتي دارْ في دنيا الفنا

إنما الموت عليكم راصِدٌ       سوف ينقلْكُم جميعاً من هنا

أنا عصفور وهذا قفصي         كان سجني وقميصي كَفَنا

فاشكروا الله الذي خلّصنا        وبنى لي في المعالي سكنا

فافهموا قولي ففيه نبأ            أي معنىً تحت قولي كَمَنا

وقميصي قطّعوهُ قِطَعاً              ودعوا الكلّ دفينا زمَنا

لا أرى روحي إلا أنتُمُ              واعتقادي إنكم أنتُم أنا

[ شعر عامي ]



54 ـ حال الأسير

وبدا له من بعدِ ما اندمَلَ الهوى     برقٌ تألَّقَ موهِناً لمعَانُهُ

يبدو كحاشيةِ الرداءِ، ودونه     صعبُ الذُّرى متَمنِّعٌ أركانُهُ

فدنا لينظُرَ كيف لاح، فلم يُطِقْ     نظراً إليه، وصدَّهُ سَجَّانُهُ

فالنارُ ما اشتملتْ عليهِ ضُلوعُهُ   والماءُ ما سحَّتْ بهِ أجفانُهُ

[ لأبي عبد الله العلوي ]



55 ـ دعاء

كُنْ لي كما كُنتَ لي    في حينَ لمْ أكُنِ

يا من بهِ صِرتُ بيــنَ الرُزءِ والحَزَنِ

[ مجزوء المجتث ] [ لسمنون المحب ]



56 ـ كيفما شئت فامتحني

كلُّ بلاءٍ عليَّ منّي            فليتَني قد أُخِذْتُ عَنّي

أردتَ مِنّي اختبارَ سرّي ؟   وقدْ عَلِمْتُ المرادَ منّي

وليس لي في سواكَ حَظٌّ      فكيفما شئتَ فامتحنّي

[ مجزوء الخفيف ] [ لسمنون المحب ]



57 ـ الرؤية من الجهاتِ الستّ

ذكرتُكَ لا أنّي نسيتُكَ، سيّدي      وأيسَرُ ما في الذّكرِ ذكرُ لساني

وكِدْتُ من الأسرارِ أخفى عن الورى   وهاجَ عليَّ القلبُ بالخفقانِ

فلما أراني الشَّوقَ أنّكَ حاضري        شَهدتُكَ موجوداً بكلّ مكانِ

وخاطبتُ موجوداً بغيرِ تكلُّمٍ          ولاحظتُ معلوماً بغير عيانِ

وإخوانُ صدقٍ قد سمِعْتُ حديثَهُمْ   وأقصَيتُ عنهُم خاطري وجَناني

وما الدهرُ أسلَى عنهمُ غيرَ أنَّني      أراكَ على كلِّ الجهات ِتَراني

[ للشبلي ]



58 ـ ذكرك طبيعة في تكويني

أنتَ في القلبِ والجوانِحِ تجري   مثلَ جَريِ الدمُّوعِ في الأجفانِ

كلُّ عضوٍ منّي يراكَ على القُرْ        بِ بعيني عِيانِهِ عن عَيانِ

فإذا اشتقتُ أن أراكَ  تمثَّلـــــــتُكَ عندي بغير كُلِّ مكانِ

لا لأني أنساكَ أُكثِرُ ذكرا           كَ ولكن بذاكَ يجري لساني

[ الشبلي ]



59 ـ الحق لا يدرك بالعقل

وقصرتُ عقلي بالهُويّةِ صالياً   فعادَ ضعيفاً بالمطالبِ هاويا

وكنتُ لربِّ العالمينَ لنصرَةٍ     فلا تتعجَّلْ في التطلُّبِ جاريا

تحقَّقْ بأنَّ الحقَّ ليسَ بمُدرَكٍ   فلا [ تَلُهُ عنه ] جاهلاً ومُرائيا

ولكنَّهُ يبدو مراراً ويختفي        فيعرفُهُ مَنْ كانَ بالعلمِ حاليا

[ لمجهول ]

60 ـ الفناءُ محبَّب

أجريتُ فيكَ دُموعي    والدَّمعُ مِنْكَ إليكَ

وأنتَ غايةُ سؤلي    والعينُ وسنى عليكَ

فإنْ فنى فيكَ بعضي   حُفِظْتُ منكَ لديكَ

[ لمجهول ]

61 ـ لا طاقةَ لي على الهجرِ

كم يَنشُرُني الهوى وكمْ يَطويني       يا مالكَ دُنيايَ ومَولى ديني

يا مَنْ  [هُو] جنّتي ويا روحي أنا     إن دامَ عليَّ هجركمْ يُعييني

[ من الدوبيت ][ لمجهول ]

62 ـ أنتَ فقط

كم دمعةٍ فيكَ لي ما كنتُ أجريها    وليلةٍ ـ لستُ أفني فيكَ ـ أُفنيها

لمْ أُسلِمِ النفسَ للأسقامِ تُتلِفُها             إلا لعلمي بأنَّ الوصلَ يُحييها

ونظرةٍ منكَ يا سؤلي ويا أملي          أشهى إليَّ من الدُّنيا وما فيها

نفسُ المحبِّ على الآلامِ صابرةٌ            لعلّ مُسقِمُها يوماً يُداويها

اللهُ يعلمُ : ما في النفسِ جارحةٌ            إلا وذكراكِ فيها قبلَ ما فيها

ولا تنفَّستُ إلا كنتَ في نَفَسي       تجري بكَ الروحُ منّي في مجاريها

إن كُنتُ أضمرتُ غَدراً أو هَمَمْتُ به     يوماً، فلا بلغتْ روحي أمانيها

أو كانت العينُ مذْ فارَقتُكُمْ نظرتْ            شيئاً سواكُمْ فخانَتْها أمانيها

[ لمجهول ]

أو كانت ِالنفسُ تدعوني إلى سكنٍ             سواك فاحتكمت فيها أعاديها !

حاشا فأنتَ محلُّ النّورِ منْ بَصَري   تجري بكَ النفسُ منها في مجاريها

[ لمجهول ]

63 ـ الإخفاء والإبداء

كادت سرائر ُسرّي أن تُسَرَّ بما    أولَيْتَني من جميلٍ لا أُسمّيهِ

وصاح بالسرٍّ سرُّ منكَ يَرقُبُهُ:     كيفَ السرورُ بسرٍّ دونَ مبديهِ ؟

فظلَّ يلحَظُني سِرّي لألحَظَهُ       والحقُّ يلْحَظُني أن لا أُ خلّيهِ

وأقبلَ الوجدُ يُفني الكُلَّ من صِفَتي   وأقبلَ الحقُّ يُخفيني وأبديهِ

[ لأبي الحسين النوري ]
 
 ImageChef Custom Images

.ان غبت عنكم ولم ترونى

.ان غبت عنكم ولم ترونى
فهذه مشاركاتى ــ بالخير تذكرونى